أول الرقص حنجلة
د. صبري اربيحات
جو 24 : في الموروث الشعبي الأردني مثل يقول: "أول الرقص حنجلة". و"الحنجلة" هي طريقة مشي طائر الحجل، والتي هي أقرب ما تكون للرقص منها للمشي. ويستخدم المثل عند ظهور بوادر لا يحبها القائل، ولا يرتاح لها؛ فالثقافة العربية ليست مفتونة بالحنجلة، ولا تقدر عاليا الراقصين، ولها موقف من الفنون بأشكالها المختلفة.
منذ عام أو يزيد، فتح العالم عيونه على ظاهرة تنظيم "داعش" التي أذهلت المراقبين، وأعيت المحللين، وبقيت مستعصية على الفهم في طبيعتها ورعايتها وتكتيكاتها، وأسرار تقدمه المذهل على الجيوش النظامية التي تفوقه عدة وتعدادا، من دون التوصل إلى إجابات مقنعة تشبع فضول المراقبين، وتطمئن المجتمعات التي بدأت تخشى أن يفضي تقدم هذا التنظيم وأشباهه إلى سلبهم مكتسباتهم الحضارية والثقافية، وربما تهديد وجودهم برمته.
أمام هذا الواقع، تداعت دول العالم وشكلت حلفا دوليا لمحاربة كيان "الدولة" الجديدة، بعد أن أقر الجميع بخطورة التنظيم على أمن وسلامة السكان ووحدة أراضي الدول التي انطلق منها، ومستقبل الإقليم والعالم. فوضعت الأمم الأكثر نفوذا وتقدما قوتها ومواردها وإمكاناتها العسكرية والاستخبارية والسياسية، تحت تصرف قيادة مشتركة، بهدف القضاء على كيان يفترض أن يكون بدائي التنظيم، ومحدود العدد، ومتواضع التجهيز والإدارة القتالية والتخطيط.
اليوم، وبعد مرور ما يزيد على عام، ما يزال كيان الجماعة التي صنفت ببدائية إمكاناتها، ومحدودية أموالها وعدتها وعتادها مقارنة بقوة التحالف، يحقق المزيد من الانتصارات، ويستولي على المزيد من الأراضي، ويحرز تقدما على الأرض يبعث القلق والخوف في صدور عشرات الملايين في الإقليم وأرجاء العالم.
الاستراتيجية التي جرى تبنيها للوقوف في وجه "داعش" استراتيجية غير واضحة، والشركاء يحملون أهدافا وأجندات متباينة. والافتراضات التي تفسر نشوءه وأمثاله، واستمراره وتقدمه، متضاربة وغير مفهومة للعديد ممن يتشاركون في التصدي له. والخوف أن ننشغل بملاحقة الحجل الذي بدا لنا، متناسين أن هناك أعشاشا وبيضا تتجاوز أعداد الحجل الذي أثارنا رقصه وبدأنا نطارده.
ما يحدث في العالم العربي هو أكثر من جماعة أصولية انطلقت من الموصل واحتلتها، ثم استولت على الرقة والرمادي وإدلب. أظن أن هناك تيارا جارفا جديدا تفجر في ليبيا وسيناء والعراق واليمن تحت مسميات مختلفة. وقد تفجر هذا التيار في أعقاب انهيار نظم الاستبداد والظلم والتهميش والإقصاء التي هيمنت على هذه البلدان لعقود، فعطلت التنمية ونهبت أموال الأمة ومقدراتها، وهدرت الكرامة الإنسانية بعد أن صادرت حقوق الإنسان كافة فيها.
الجماعات الجديدة تحمل شهوة الانتقام والرغبة في الثأر، أكثر مما ترغب في إقامة الشريعة والحدود. لذا، فهي ترى الكون غنائم وجزية، وقتلا وسبيا وجواري، وحرقا وإعداما جماعيا، وتدمير متاحف، وتزويجا للرجال وجهادا نكاحا، وغيرها. وهي تضم في صفوفها ثوارا ومجرمين ومعتقلين وإصلاحين وأتباع مدارس دينية وشيوخا ومدمنين ورجال عصابات وهواة قتل، تجمعهم جميعا الرغبة في الانتقام من النظم القائمة والتجارب السابقة، ويتخذون من تأويلاتهم للنصوص الدينية مسوغات لأفعالهم وأحكامهم، ويتفنون في إثارة الخوف والرعب في نفوس البشرية بأفعالهم وأساليبهم المبتكرة.
المشكلة الكبرى أن تأخر النظم العربية في إصلاح بنيتها وأساليبها ومنهجها، قد يدفع إلى تنامي السخط، ويدفع بالشباب اليائس والجماعات المحرومة إلى تبني منهجية الجماعات الإرهابية في البلدان التي تشكلت فيها. فمحاربة التطرف والإرهاب لا يأتي من خلال الإدانة والعمليات العسكرية فحسب، بل من خلال محاصرة الفقر ورفع الظلم وتطهير الفساد، وإشاعة العدل، وإصلاح التعليم بتوجيهه إلى بناء شخصية الإنسان المتوازنة، إضافة إلى أهمية تطابق الخطاب السياسي مع الإجراءات والمنهج على أرض الواقع.
الجنود والجيوش والأسلحة، تستطيع حماية الحدود من كل من يحاول اختراقها. لكن العدل والحق والنزاهة، تحصن العقول والقلوب، فتدفع بالجميع لحماية ما ينعمون به والدفاع عنه.
منذ عام أو يزيد، فتح العالم عيونه على ظاهرة تنظيم "داعش" التي أذهلت المراقبين، وأعيت المحللين، وبقيت مستعصية على الفهم في طبيعتها ورعايتها وتكتيكاتها، وأسرار تقدمه المذهل على الجيوش النظامية التي تفوقه عدة وتعدادا، من دون التوصل إلى إجابات مقنعة تشبع فضول المراقبين، وتطمئن المجتمعات التي بدأت تخشى أن يفضي تقدم هذا التنظيم وأشباهه إلى سلبهم مكتسباتهم الحضارية والثقافية، وربما تهديد وجودهم برمته.
أمام هذا الواقع، تداعت دول العالم وشكلت حلفا دوليا لمحاربة كيان "الدولة" الجديدة، بعد أن أقر الجميع بخطورة التنظيم على أمن وسلامة السكان ووحدة أراضي الدول التي انطلق منها، ومستقبل الإقليم والعالم. فوضعت الأمم الأكثر نفوذا وتقدما قوتها ومواردها وإمكاناتها العسكرية والاستخبارية والسياسية، تحت تصرف قيادة مشتركة، بهدف القضاء على كيان يفترض أن يكون بدائي التنظيم، ومحدود العدد، ومتواضع التجهيز والإدارة القتالية والتخطيط.
اليوم، وبعد مرور ما يزيد على عام، ما يزال كيان الجماعة التي صنفت ببدائية إمكاناتها، ومحدودية أموالها وعدتها وعتادها مقارنة بقوة التحالف، يحقق المزيد من الانتصارات، ويستولي على المزيد من الأراضي، ويحرز تقدما على الأرض يبعث القلق والخوف في صدور عشرات الملايين في الإقليم وأرجاء العالم.
الاستراتيجية التي جرى تبنيها للوقوف في وجه "داعش" استراتيجية غير واضحة، والشركاء يحملون أهدافا وأجندات متباينة. والافتراضات التي تفسر نشوءه وأمثاله، واستمراره وتقدمه، متضاربة وغير مفهومة للعديد ممن يتشاركون في التصدي له. والخوف أن ننشغل بملاحقة الحجل الذي بدا لنا، متناسين أن هناك أعشاشا وبيضا تتجاوز أعداد الحجل الذي أثارنا رقصه وبدأنا نطارده.
ما يحدث في العالم العربي هو أكثر من جماعة أصولية انطلقت من الموصل واحتلتها، ثم استولت على الرقة والرمادي وإدلب. أظن أن هناك تيارا جارفا جديدا تفجر في ليبيا وسيناء والعراق واليمن تحت مسميات مختلفة. وقد تفجر هذا التيار في أعقاب انهيار نظم الاستبداد والظلم والتهميش والإقصاء التي هيمنت على هذه البلدان لعقود، فعطلت التنمية ونهبت أموال الأمة ومقدراتها، وهدرت الكرامة الإنسانية بعد أن صادرت حقوق الإنسان كافة فيها.
الجماعات الجديدة تحمل شهوة الانتقام والرغبة في الثأر، أكثر مما ترغب في إقامة الشريعة والحدود. لذا، فهي ترى الكون غنائم وجزية، وقتلا وسبيا وجواري، وحرقا وإعداما جماعيا، وتدمير متاحف، وتزويجا للرجال وجهادا نكاحا، وغيرها. وهي تضم في صفوفها ثوارا ومجرمين ومعتقلين وإصلاحين وأتباع مدارس دينية وشيوخا ومدمنين ورجال عصابات وهواة قتل، تجمعهم جميعا الرغبة في الانتقام من النظم القائمة والتجارب السابقة، ويتخذون من تأويلاتهم للنصوص الدينية مسوغات لأفعالهم وأحكامهم، ويتفنون في إثارة الخوف والرعب في نفوس البشرية بأفعالهم وأساليبهم المبتكرة.
المشكلة الكبرى أن تأخر النظم العربية في إصلاح بنيتها وأساليبها ومنهجها، قد يدفع إلى تنامي السخط، ويدفع بالشباب اليائس والجماعات المحرومة إلى تبني منهجية الجماعات الإرهابية في البلدان التي تشكلت فيها. فمحاربة التطرف والإرهاب لا يأتي من خلال الإدانة والعمليات العسكرية فحسب، بل من خلال محاصرة الفقر ورفع الظلم وتطهير الفساد، وإشاعة العدل، وإصلاح التعليم بتوجيهه إلى بناء شخصية الإنسان المتوازنة، إضافة إلى أهمية تطابق الخطاب السياسي مع الإجراءات والمنهج على أرض الواقع.
الجنود والجيوش والأسلحة، تستطيع حماية الحدود من كل من يحاول اختراقها. لكن العدل والحق والنزاهة، تحصن العقول والقلوب، فتدفع بالجميع لحماية ما ينعمون به والدفاع عنه.