هل يفعلها لبيب الخضرا ويستقيل!
في حالة متقدمة من التخاطر و توارد الافكار اختار الكاتبان اسامة الرنتيسي من صحيفة العرب اليوم ومحمد ابو رمان من صحيفة الغد التعليق في زاويتيهما اليومية على الاجتماع المشترك الذي جمع عبدالله النسور وعددا من وزرائه بلجنة التربية النيابية وجرى فيه مناقشة قرارات وزير التعليم العالي لبيب خضرا، اللافت انهما استخدما في مقالتيهما العبارات والمحاور والمضامين ذاتها ، حتى انهما استخدما العنوان نفسه تقريبا ..ورغم انني اختلف معهما في كل ما ذهبا اليه ، الا انني اتفق معهما في النتيجة التي خلصا اليها، وهي ان على الوزير لبيب خضرا ان يستقيل فورا ليس لفشل وهزيمة مشروعه الاصلاحي المزعوم، وانما لانكشاف اجندته وافتضاح سقوطه تحت تأثير التيار ذاته الذي يستقي منه بعض الكتاب والساسة افكارهم واراءهم السياسية وحتى مفرداتهم والعبارات التي يستخدمون.
منذ متى كان لبيب خضرا عنوانا لاصلاح التعليم العالي والجامعات؟ منذ متى كانت المبادرة النيابية احدى عناوين الاصلاح في بلادنا؟!! كيف اصبحت الحقوق المكتسبة كذبة؟ وكيف نهضم افتراض ان القوى المحافظة تحالفت مع البزنس، مع العلم بان توجهات وزير التعليم العالي تخدم البزنس وتحظى بدعم وتأييد المستثمرين في قطاع التعليم العالي، ويعارضها المحافظون بكل ما اوتوا من قوة؟ لماذا يستمر البعض في اجترار ذات القوالب النصية المكشوفة؟ واقصد بالقوالب هنا (توظيف النصوص في تسويق اشخاص بعينهم وسياسات محددة، باساليب ملتفة محبوكة ومركبة، لم تعد تنطلي على احد). في الامس كنا نقبل منهم هذا الكلام وتصنيفهم للاشخاص والمواقف ، ولكن اليوم وبعد ان سقطت كل الاقنعة، لن نقبل منهم هذا التنظير الهش الذي يريدون من ورائه تشويه عناوين الاصلاح ومعانيه واوجهه ؟
اما عن ادعاء علاقة الاستثناءات بتراجع مستوى جامعاتنا وتدهور سمعتها الى "الحضيض" فهذا افتراض ساقط لا يمت لواقع الحال بصلة. هناك اعتبارات ومعايير دولية كثيرة تهملها وزارة التعليم العالي ومجالس امناء الجامعات ورؤساء الجامعات انفسهم، وهذه الاعتبارات المتنوعة اذا ما جرى تبنيها فإنها كفيلة بالارتقاء بمستوى جامعاتنا وخريجيها من اصحاب المعدلات المرتفعة ومن اولئك الذين قبلوا على قوائم الاستثناءات والكوتات التي اكتسبت درجة الحقوق الاصيلة والاساسية اثر استمرار تجاهل المركز "العاصمة" لاحتياجات ومتطلبات المحافظات التنموية حتى يومنا هذا، واتساع الفجوة التعليمية بينهما .
رئيس الوزراء عبدالله النسور يعي تماما استحالة ان يمر الخضرا ببرنامجه، حتى عندما دعمه في قرار عزل خمسة اعضاء من مجلس التعليم العالي وتعيينه لاخرين ، وهو يعرف ايضا ان هناك اطرافا وقوى سياسية واجتماعية واسعة الحيلة لن يرضيها العبث بهذا الملف الحساس "كما هو حال قانون الانتخاب"، ومع ذلك اظهر في البدايات دعمه لـ لبيب ولكنه سرعان ما كشف ظهره واكد نيته مراجعة قراراته، النسور بهذا لم ينحنِ لاي عاصفة ولم يرقص لا مع الافاعي ولا مع العصافير والحباري بل كان اكثر انسجاما مع نفسه من اي وقت مضى .
ورغم خشيتنا من ان تكون القوننة والتنظيم مدخلا للعبث ومراجعة النسب والاعداد، الا اننا مع اعتماد اسس واضحة وثابتة في اختيار المستفيدين من قوائم العشائر والمدارس الاقل حظا وايصال هذه المقاعد لمستحقيها واغلاق المجال امام الوساطات والمحسوبيات في هذا الملف مرة وللابد، وهذا ما لن يستطيع خضرا ان يفعله، وخاصة انه وصل بتفكيره الى تخفيض عدد المقبولين من ابناء الشهداء في كل جامعة رغم قلة العدد واحقية هذه الشريحة . فكيف - والحالة هذه - سينجح في وضع معايير عادلة تضمن لالاف الاف الطلبة الالتحاق بالجامعات الرسمية بشكل استثنائي بالضد مما يخطط ويحضر ؟!!
بتجرد شديد ، وبعيدا عن المناكفات والاصطفافات ، دعونا نفكر بانفسنا قبل التحاقنا بالتعليم الجامعي كيف كنا وكيف اصبحنا بعد تخرجنا من الجامعة ، من منا يستطيع ان ينكر حجم التحول والتغير الهائل الذي طرأ على شخصيته ومعارفه ومهاراته وخبراته في الحياة وفي العلاقات وفي النشاطات وفي كل شئ .حتى ان هناك من يعتقد - وانا منهم- بان الشاب بعد الجامعة هو ليس ذات الشاب الذي التحق بها قبل اربع سنوات ، هو انسان اخر بمنطق مختلف وأفق ارحب وخبرة اوسع . اذا كان هذا صحيحا -وهو كذلك- ، لماذا يفكرون اذا في حرمان اي شاب من هذه الفرصة الثمينة؟ لماذا يفكرون في اجهاض امكانية تحول الشباب الى مواطنين افضل واقدر على خدمة بلدهم واهلهم وامتهم؟ لماذا يريد البعض ان يكرس الطبقية في هذه ايضا؟ لماذا يريدون منع ابناء القرى والبوادي -الذين يرزحون تحت وطأة الاهمال والتهميش - من فرص التحرر من تلك الشرنقة المغلقة من الافكار والعادات والتقاليد البالية؟ الا يشكل هذا خطرا اكبر على السلم الاهلي اذا ما تفاعلت عوامل الفقر والبطالة مع الجهل ومحدودية التفكير؟ التعليم العالي حق للجميع والدولة الواعية تكفله لكل الراغبين باكمال دراستهم الجامعية دون اي قيد او شرط.