2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

ما هو أخطر من الاتفاق النووي

د. حسن البراري
جو 24 : وكأن المكتوب لا يقرأ من عنوانه، وكأن مسار العلاقة الإيرانية الأمريكية كان في الخفاء وليس في وضح النهار حتى ينتظر العرب ما ستفضي اليه مفاوضات عشرين شهرا عجز فيها العرب من صوغ موقف عملي واحد. خلال هذه المدة أسقط العرب من أيديهم أي ورقة للتأثير واكتفوا بالتحذير من الخطر الإيراني في وقت انشغلوا فيه في حروب تنافسية داخلية ولم يربحوا شيئا في النهاية، ولا غرابة، فالدول المستبدة لم تربح مواجهة واحدة لا مع إسرائيل ولا مع غيرها!

لا يبدو أن الجانب العربي قد استفاق من غفوته الاستراتيجية المزمنة، فالنظام – او للدقة اللا نظام – العربي ممزق تتنافس فيه الأنظمة العربية التي تقبض بإحكام على نسق هش الاستقرار. وعلاوة على ذلك، هو نظام ما زال يعاني من اختراق: أي أن الجانب العربي عادة ما ينتظر الآخرين وبخاصة الغرب للتدخل وترتيب الشرق الأوسط بشكل يسمح لهذه الأنظمة بالبقاء.

وساهم الربيع العربي في التخبط وعدم التيقن وتنويع مصادر التهديد للأنظمة العربية. ما من شك أن اندلاع الثورات العربية (وهي ثورات اختطفتها قوى سياسية مختلفة ليس بقصد التحول الديمقراطي وانما بهدف الصراع على السلطة والاستئثار بها) قدم فرصة استراتيجية غير مسبوقة لكل من إيران الثيوقراطية وإسرائيل الصهيونية للتوسع واستغلال انشغال العالم في حرب عبثية على الارهاب للمضي في زيادة النفوذ في الإقليم الممزق والذي فشلت فيه الدولة العربية الحديثة الحفاظ على تماسكها الداخلي.

العرب هم الخاسرون الوحيدون في الاتفاق النووي، فأمريكا والغرب حققوا الاهداف المرجوة إذ شكل الاتفاق نكسة قوية لبرنامج كان من شأنه أن يضع إيران على العتبة النووية (nuclear threshold)، وإيران حققت اهدافها في رفع الحصار المترتب على البرنامج النووي، وإسرائيل بالرغم من دق نتنياهو لطبول الحرب استفادت أيضا إذ أبقت على احتكارها للسلاح النووي لمدة عشرين عاما على الاقل.

وأكثر من ذلك، تلعب إيران على وتر الارهاب كخطر يتهدد الجميع وتقدم نفسها كشريك في محاربة التطرف والارهاب وهو أمر يقبله الغرب ولو على مضض.

الأطراف الرابحة
سأبدأ بالغرب وتحديدا الولايات المتحدة. تمكن الغرب تحقيق ما يلي:

أولا، اجبار ايران على فتح المنشآت النووية أو أي منشآه مشتبه بها للتفتيش دون اعاقات وهو أمر كان المرشد العام علي خامئني يرفضه رفضا كاملا كما بين في خطابة الاخير في الثالث والعشرين من الشهر الماضي.

ثانيا، التزمت ايران في شحن الوقود المستخدم في عملية التخصيب خارج إيران وللابد.

ثالثا، اجبرت ايران على خفض عدد اجهزة الطرد المركزي من 19 ألف إلى أقل من 6 الاف.

رابعا، ستقلص إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب من 10 الاف طن إلى 300 طن وهي كمية ستبعد إيران عن العتبة النووية سنوات طوال.

خامسا، لن يكون بمقدور ايران انتاج مادة البلوتونيوم 239 وهي العنصر الآخر الذي يمكن من صنع قنبلة ذرية. كما ستجري ايران وفقا للاتفاق تعديلات على مفاعل المياه الثقيلة وهي قيد الانشاء في اراك حتى لا يمكن له إنتاج البلوتونيوم من النوعية العسكرية.

سادسا، لن يكون في وسع إيران بناء مفاعل جديد للمياه الثقيلة طيلة عقد ونصف.
سابعا، حظر بيع الصواريخ البالستية لمدة تزيد عن خمس سنوات. فالعقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على الاسلحة ستبقى مع أن هناك امكانية لبضع الاستثناءات إن وافق مجلس الأمن، كما أنه لن يكون بوسع إيران الحصول على صواريخ بالستية يمكن شحتها برؤوس نووية لفترة غير محدودة.

ثامنا، والأهم بالنسبة للغرب أنه تمكن من ارجاع البرنامج النووي الايراني إلى ما قبل عام 2000 دون الحاجة إلى خوض حرب انسجاما مع استراتيجية المنع التي أعلن عنها أوباما في عام 2008.

بالمقابل، تمكنت إيران من الحصول على اعتراف غربي بها كقوة اقليمية ونووية لها الحق في امتلاك الطاقة النووية السلمية وحققت إيران أهدافها المتعلقة بما يلي:

أولا، سيصدر قرار سريع من مجلس الأمن يلغي كل القرارات السابقة ضد البرنامج النووي الإيراني مع ابقاء بعض التدابير الاستثنائية

ثانيا، فور تطبيق إيران التزاماتها النووية وامتثالها لنص وروح الاتفاق وورود تقرير من وكالة الطاقة الذرية بهذا الخصوص (ليس قبل نهاية عام 2016) فإن العقوبات الغربية المتعلقة بالبرنامج الوطني والتي تستهدف القطاعات المالية والنفط سترفع.

ثالثا، وافقت الدول الكبرى الست على حق إيران في امتلاك الطاقة السلمية شريطة بقائها عضو في معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية (Non-Proliferation Treaty).

رابعا، ستحصل ايران على ارصدتها المجمدة وسيسمح لإيران تصدير النفط مرة أخرى وهذا بدوره يساعد إيران في التصدي للتحديات الاقتصادية الداخلية.

من جانب آخر فقد ربحت إسرائيل وخسر نتنياهو معركته الخاصة مع إيران ومع اوباما، فلم يتمكن نتنياهو من اجبار الغرب على تبني وجهة نظره التي كانت تقضي بضرورة تفكيك كامل البرنامج النووي حتى يكون الاتفاق جيدا، غير أن الاتفاق ضمن لإسرائيل ان تحتكر السلاح النووي لمدة عقدين على الاقل وهي فترة طويلة نسبيا تزيل فزاعة الخطر الوجودي الذي كان يرفعه نتنياهو كل مرة يذهب فيها إلى الانتخابات. فعلى العكس ما يقوله نتنياهو فإن الاتفاق إن تم تطبيقه بشكل صارم فهو في صالح إسرائيل إذ قام الغرب بخوض مواجهة مع إيران نيابة عن إسرائيل التي لم تخسر شيئا في هذه المواجهة.

الطرف الخاسر
العرب خسروا لأنهم راهنوا على أن تتصدى الولايات المتحدة لإيران ومشاريعها النووية والتوسعية في الاقليم نيابة عنهم وهو أمر لم يحصل وربما لن يحصل في قادم الايام، فالولايات المتحدة لها اجندات كونية لا يمكن اخضاعها لوجهة نظر قوى اقليمية عربية غير فاعلة.

لهذا تقع على عاتق الدول العربية رسم استراتيجية موحدة للتعامل مع إيران ما بعد الاتفاق، وهو أمر صعب نوعا ما وإن كان ليس مستحيلا، فالإقليم العربي ما زال كما ذكرت في بداية المقال ممزقا وتنافسيا ومخترقا ومن غير المنتظر أن يتغير هذا الوضع بين ليلة وضحاها.

وبعيدا عن تهنئة الانظمة العربية لإيران لإنجازها الاتفاق، فإن العرب يشعروا بالمرارة ويعتبروا الاتفاق ليس في صالحهم، لكن هذه المرارة ينبغي أن تكون نقطة تحول في السياسة العربية، فالحرب التي تخوضها الانظمة العربية ضد بعضها البعض والتي اخذت شكل الثورات المضادة وشيطنة بعض القوى السياسية لتبرير الاستبداد لن تكون ذات جدوى لأن التطبيق الصحيح والصارم لاتفاق ايران لن يضعف إيران بل سيضع بين ايديها المليارات التي يمكن توظفيها في زعزعة الاستقرار. فمشكلة العرب لم تكن مع البرنامج النووي بل مع سلوك ايران في الإقليم.

لذلك فأن الدرس الأهم الذي ينبغي على العرب استبطانه جيدا هو فشل الرهان على الغرب، وإذا كانت هذه الخلاصة صحيحة – وهي في ظني كذلك – عندها هل يمكن الرهان على ما سمعته من بعض المحللين العرب بأن الرئيس الأمريكي القادم سيكون جمهورها وسيتراجع عن الاتفاق في حال بقاء الكونغرس بنفس التركيبة؟! ثمة فرق بين التحليل الذي يستند إلى سيرورة ومنطق من جهة وبين التحليل الرغائبي من جهة أخرى، والراهن أن لا بديل عن اعادة النظر في الاستراتيجية العربية المختلفة واستبدالها باستراتيجية تأخذ بزمام المبادرة بعيدا عن موقف واشنطن وغيرها.

وإيران المنتشية بما حققته من "انجاز" ستكون دافعا اضافيا لقوى عربية تتماهي من اجندات إيران، وهنا على الجان العربي أن يرفع من استعداداته والعمل على التنسيق لإلحاق هزيمة بإيران في سوريا أولا. لن يحترم الغرب العربي المهزوم والمستسلم وانما العربي القوي والمنتصر.

بكلمة، الاتفاق النووي اظهر انكشاف العرب الاستراتيجي وهو بهذا المعنى يطرح اسئلة وتحديات لا أرى أن النظام العربي الحالي قادرة على الارتقاء الى مستوى اللحظة التاريخية. وإذا استمر العرب بنفس السياسة وبنفس النسق الاستقطابي القاتل فإن إيران ستمتلك ترف الوقت لإعادة ترتيب اوراقها الداخلية والاقليمية وعندها ستكون كلفة مقاومة العرب لهذا المشروع عالية وربما فوق طاقتنا.

والأنكى إن تمكنت إيران من الدخول في شراكة مع الغرب عنوانها محاربة الارهاب الذي يتهم فيه بعض العرب بتمويله! فإيران بذلك تلعب على نقطة هامة وهي تراجع الغرب عن دعم التحول الديمقراطي والتركيز على الاستقرار وهي نقطة ستعلي من قيمة إيران.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير