jo24_banner
jo24_banner

النفخ في القربة المخزوقة

د. صبري اربيحات
جو 24 : اضحكني هذا المثل كثيرا بالامس... ليس لانني لم اسمعه بل لانه اعيد على لسان احد اخوتنا المصريين ...وبايقاع كان غريبا على مسامعي فاضحكني ....لقد استخدمه صاحبنا في مكانه الصحيح .فعلى الرغم اني سمعته منذ عشرات السنين ..واستخدمته مئات المرات ..واعرف دلالاته الحسية والمجازية الا انني شعرت بالامس اني سمعته للمرة الاولى..

فلم يغفر لي اني نشأت في بيئة كانت فيه القرب واخواتها المصنعة محليا من جلود الاغنام التي تستهلكها الاسر اهم ادوات التخزين والتصنيع الغذائي ...وراقبت مرارا كيف كانت الامهات يستقبلن الجلود بعد سلخها مباشرة فيقمن بتمليحها ونشرها تحت اشعة الشمس لايام ثم يقمن بحلي الصوف او الشعر عنها الى ان يقمن بدبغها بقشر الرمان لايام ليكسبنها قواما لينا وطراوة يسهلان تشكيلها الى مرحلة خياطة الجلد مرة اخرى ودبغها وتلينيها ومن ثم غسلها وتهيئتها للاستعمال.
في ثقافة البدو هناك مسميات متعددة لمنتجات الجلود فهناك القربة والبدرة والسعن والسقا وهناك الشنينة " وهي وعاء جلدي غير رطب تحفظ به الفواكه المجففة مثل القطين والزبيب وغيرها.

القربة تستخدم للماء وهي مصنوعة من جلد الماعز وتتراوح سعتها بين الثلاثين والستين لترا من الماء حسب حجم الجلد ...وغالبا ما يكون لها حبل يصل بين قاعدتها ورقبتها حيث بوابتها الوحيدة "ثم القربة..او فم القربة" الذي يتم النفاذ من خلاله عند تعبئتها وتفريغها...وتفرد لقرب الماء مساحة خاصة في بيوت الشعر تفرش بشجيرات الشيح والوسبا وغيرها من الشجيرات الناعمة ذات الرائحة العطرية الجميلة....ويتم اغلاق فم القربة بعد ان يسكب منها الماء الذي يحتاج له في اواني معدنية للشرب او الطهي او صناعة القهوة والشاي في عملية فنية يطلق عليها "الوكاء" وتلفظ وCHA حيث يجري ثني رقبة القربة وطيها وربطها بلف قطعة القماش حولها باحكام.

اما البدرة فهي لا تختلف عن القربة في الحجم الا انها تستعمل لترويب الحليب او حفظ اللبن بعد استخلاص الزبدة منه "السريح او الشنينة" وهي اكثر مرونة ونعومة في ملمسها بحكم انها تحوي على الحليب ومنتجاته المشبعة بالدهون وتحفظ في اماكن بعيدة ومعاكسة لاماكن وجود المياه ويوجد في البيت اعداد كبيرة من البدار بحسب كميات الحليب والتصنيع وغالبا ما يتم ترتيبها على التوالي لتاخذ كل مجموعة وقتها الكافي من الترويب قبل ان يتم الانتقال الى مرحلة فصل اللبن عن الزبدة .

السقاء وهو اكبر منتجات الصناعات الجلدية في بيوت الشعر وغالبا ما يكون من جلود التيوس او الاكباش الضخمة ليتسع لكميات كبيرة من الحليب الرائب الجاهز لعملية خض الحليب.

القربة المقصودة في المثل ليست القربة الاسكتلندية التي تشكل قوام الالات الموسيقية لجوقات الجيش والمدارس وفرق الاستعراض الموسيقي التي تجوب الشوارع في الاحتفالات. فالناس في بلادنا لم يعرفوا هذه الالات الا حديثا ...والناس لا يستخدمون الامثال التي لا تتولد في بيئتهم ويعرفون مغزاها ودلالاتها.

النفخ في القرب المخزوقة مثل يستخدم في المواقف والحالات التي يجري التنبيه فيها الى التغيير ولا احد يسمع او التنبيه للاخطار ولا نتيجة تماما مثلما تحاول النساء النفخ في القرب من اجل خلق حيز يمكنهن من عزل الزبدة عن اللبن ولا يتجاوب الوعاء الجلدي الضخم مع جهود الخضاضة فينقطع نفسها من النفخ دون ان يكون لذلك نتيجة لان السقاء يهرب الهواء نتيجة لانه مخزوق....

الاشياء المخزوقة لا تحتفظ بمحتواها وقد يكون اللبن في القاع لكن يصعب عليك ان تحصل على اي زبدة من الوعاء الجلدي الضخم.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير