jo24_banner
jo24_banner

الفروسية...اكثر من سرج وخيال وحصان يسابق الريح

د. صبري اربيحات
جو 24 : يتذكر الكثير من الاردنيين ممن عاشوا في الارياف والبادية في بداية ومنتصف القرن الماضي وحتى الثمانينيات منه وجود اسطبلات الخيول في معظم مخافر ونقاط الشرطة البعيدة عن مراكز المدن حيث تشتمل القوة "الشرطة والدرك انذاك" على عدد من شرطة الفرسان وخيولهم.

قوام القوة رجال اشداء ممن تلقوا تدريبا خاصا في معاهد الشرطة ومدرسة الفرسان فاتقنوا مهارات وفنون الفروسية وركوب الخيل اضافة الى معارفهم ومهاراتهم وخبراتهم الشرطية..

لقدكان شرطة الفرسان يعرفون جغرافية البلاد جيدا بلا بوصلة او خريطة وطرقها ومنازل اهلها بلا ادلاء وطباعهم وعاداتهم وخفاياهم دون الحاجة الى معونة المخبرين والعيون فيعملوا على تنفيذ القوانين في كل جنبات البلاد معتمدين على خيولهم واسلحتهم ودرايتهم بالناس والبلاد وتركيبة المجتمع وعيونه وطبائع الناس ومهارات التاثير وكسب التاييد واظهار القسوة احيانا واللين اذا ما استدعت الظروف.

كان للفرسان زيهم الخاص وحطاتهم الخضراء والصفراء و احذيتهم الضافية التي تمتد الى الاعلى لتغطي سيقانهم وتتجانس مع السراويل المقصوصة بعناية وهندسة تتيح لارجلهم وسيقانهم البقاء لصيقة باجساد الخيول للتمكن من تحفيزها او تهدئتها لضبط سرعتها من خلال علاقة حسية تولدها الالفة بين الفارس والفرس ولتسير بسرعة ووضعية تتناسب مع سرعة وايقاع مسير الكوكبة التي هو جزء منها .

لسنوات طويلة تمكن الفرسان من اشاعة الامن وبسط هيبة الدولة والتواصل مع الناس في علاقة لا تخلو من المد والجزر فمن ناحية كان الناس يستغيثون بحضورهم لفض النزاعات واخافة اللصوص وكسر شوكة من يستقوي على الدولة او يتمرد على سلطانها..ومن ناحية اخرى كان البعض منهم ينتشي بسلطته ونفوذه وقدرته على الامر والنهي فيخلق حوله هالة تجعل الناس يتسابقون في طلب وده ورضاه.

السمع والطاعة والاحترام الممزوج بالخوف يدفعان الاهالي الى التنافس على ارضاء الخيال فيقدمون له اشهى الاطعمة والذها ويغرقونه في برنامج ضيافة لا ينتهي الا بامره.

الفرسان كانوا يطوفون الارياف في مآموريات دورية مبرمجة وطارئة بعضها لابلاغ المطلوبين المثول امام القضاة والحكام واخرى في مرافقة الجباة والمأمورين ممن جاءوا لجمع الضرائب او عد النفوس او حصر المواشي او فض النزاعات ونشر البلاغات الرسمية والاستجابة للشكاوي .

في احيان اخرى يخرج الفرسان في جولات لاشاعة النظام وتعزيز حضور السلطة في الاماكن البعيدة...فما ان تتوقف خيول الفرسان الذين قد يحضروا فرادا او مجتمعين حتى يلتف الاهالي حولهم ويساعدونهم في النزول عن ظهورها ويبدأ بعضهم بفك سروجها واقتيادها الى الخانات واتمام خطوات العناية بها بما في ذلك سقايتها وتحضير عليقها واحضار حاجيات الفرسان على اكتافهم..

على الجانب الاخر يدخل الاهالي من اصحاب البيوت والملاكين في شجار حميد مفتعل يبدي فيه الجميع رغبتهم في القيام بواجب اكرام الفرسان وينتهي الشجار الشكلي بعد ان يقسم احدهم قسما غليظا او يستل سلاحة فيذبح شاة قبل ان يبادر غيره لنفس الفعل.
الفرسان يستمتعون بمتابعة مظاهر وطقوس الاهتمام برعايتهم وتكريمهم وسباق الاهالي على الوفاء بواجبات ضيافتهم وقد يطيلون اقامتهم ليومين او اكثر في المنازل التي طابت لهم ضيافة اهلها..

في العهد العثماني كان الفرسان يسومون الاهالي سوء العذاب ويمارسون الكثير من الاجحاف والظلم فقد كان حضورهم مرتبط بجمع الضرائب او سوق الرجال للعمل المجاني لحساب الدولة ضمن نظام السخرة الذي عرف في تلك الايام...وقد كان الفرسان يصرون على ان تقدم لهم ضيافة على شروطهم وليس بحسب ما تجود به نفوس المضيفيين.

الامن الذي قام عليه الفرسان في غابر الايام امنا ناعما اشتبك فيه الفرسان مع الاهالي في علاقة تبادلية وظيفية اشعرت الناس باهمية وجود الشرطيين واشعرت الشرطيين بقدرتهم على فهم المجتمع ونظامه وتركيبته ووظائفه وادواره فاستمتع الجميع بالعلاقة التبادلية الناعمة التي افقدت الاهالي بعض الجديان والخراف وجزء من مخزون سمنهم ولبنهم وعسلهم لكنها اسعدتهم لأن الرجال كانوا حاضرين كملاذ للناس اذا ما غشيهم الضيم او لحق بهم الظلم...

بعض الباحثين عن ادوار جديدة في مجتمعاتهم يحاولون اعادة تجربة الفرسان دون ان يسرجوا خيولهم او يدركوا مهارات التواصل بين الفرسان وفراسهم فالشد الناعم على خواصر الخيل والتربيت على ظهورها هو الذي يدفعها للتحول من وضعية المسير العادي الى الركض البطيء وصولا الى الحالة التي يصعب معها شق غبارها او لمح سنابكها.
تابعو الأردن 24 على google news