jo24_banner
jo24_banner

في حضرة العالوك.. والمسرات

د. صبري اربيحات
جو 24 : بين سفح الجبل المطل على عمان وكتف الهضبة التي تراقب اطول السيول دائمة الجريان تجثم بلدة العالوك والمسرات.
تستذكر النهر الذي لا زال يجري بعد ان جففت امواج الهجرة منابعة في رأس العين وعين غزال والرصيفة والروافد التي ظلت تغذيه قبل ان تزرع سلطات الري مضخاتها وتجفف الينابيع لينخفض منسوب النهر ويصبح واديا ثم سيلا يترنح ببطء شديد منتظرا دفقات الروافد التي تاتي لتنعشه وتجدد مياهه من القنية وينابيع ضفاف الوادي التي تحرضها مواسم الامطار على تجدد الاندفاع نحو السد الذي ظل بعيدا عن عيون الناس ونشاطاتهم.
للعالوك خصوصية لا يعرفها الا من احبها فهي اكثر من بلدة توسطت هلال الاردن الديموغرافي فاتخذت موقعا على نفس المسافة بين عمان والزرقاء وجرش والسلط و ولا تبتعد كثير عن المفرق واربد وعجلون بل يمكنك ان تشاهد حدود المحافظات وبعض قراها كلما تسلقت الجبل الذي يصلك بام رمانة والسطح الذي تستظل به المكمان والكمشة.
في العالوك ينتشر البلوط البري غير المدعوم حكوميا ...فبعض الاشجار تجاوزت اعمارها الاربعة قرون ولم تعد سيقانها قادرة على اخفاء عوارض الاهمال وجور السنين ...فلقد اتعبتها سنوات القحط و فؤوس الحطابين التي لم تنجح في ابادتها واخافة الطيور التي كيفت مناقيرها لتفتت قشور البلوط وتتغذى على ما فيها دون الحاجة الى ان تهاجر اوتعتاد على غير ما ساقته لها الطبيعة والقدر.
في العالوك مساجد للعبادة واناس يعرفون الله فيغلقون متاجرهم عند كل اذان مرددين الاية الكريمة "وذروا البيع ذلك خير لكم" وكانها علامتهم التجارية التي لا تخفى على اي ساكن وزائر ورقيب. والى جانبها استوطنت القوات الخاصة ومعسكرها الذي تجانس مع الاهالي واصبح المعلم الذي يعرف به المكان ويعرف به المرفق..
منذ ان ظهرت جائزة الحسن بن طلال للشباب والعالوك جزء من المشهد فعرف المكان كل الشباب الطامح في الريادة والتحدي وتنفس هواء العالوك الالاف من صبايا وشباب الاردن الذين جابوا الكون في ريادتهم وقيادتهم وابداعهم.
منذ عقدين ونصف اختارتني العالوك لاكون احد ابنائها فقد وقعت في حب المكان واهله من النظرة الاولى واعجبتني طيبتهم وسماحتهم وحبهم وكرم اخلاقهم واستعدادهم اللامحدود للحب والعطاء....كل ذلك ساعدني على فهم عبقرية ابن العالوك وشاعر الاردن وهو يقول"يال ما تعرف النكران ....ويال تعطي بلا منه" فهو يتحدث عن عمان بروح العالوك التي اصبغها على الوجدان الاردني في روائعه الخالدة وهو يتغنى بشيم الاردنيين ومواطنتهم ويتحدث عن اسمى صور المواطنة بالقول " وان ثقل حملك نشيلك شيل ...ونميل الرأس بعقالي"....حبيب يتحدث عن اهله ومنازل اهله واخلاق اهله التي احبينها واسعدني الانتساب لها وتشربها فالمسافة بين الطفيلة والعالوك في قاموس معارفي صفر ولا تزيد.
في العالوك التي سكنها الرومان والمسيحيون العرب وحملت اثرا من كل حضارة عايشتها مدارس تعلم فيها حبيب الزيودي وصالح القلاب وابراهيم العموش وعلي العموش والمئات من ابناء العموش والشديفات والزيود وهي معالم تاريخية ومنارات وارث ينبغي الحفاظ عليه...
اتفهم تماما مساعي وزير التربية والتعليم وخطة التطوير التي تحتاج منا لكل دعم وتأييد لكن للعالوك وتراثها واسمها ورمزيتها حساب اخر فالمدرسة التي تخرج منها حبيب ينبغي ان تستثمر كمحطة معرفية ومتحفا ثقافيا ومعلما حضاريا يمر عليه الطلاب والشعراء والرهبان والشيوخ والقادة والاعلاميون...وبغير ذلك اظن اننا ننسى الاباء المؤسسين وندفن جماليات الهوية...
تحية لروح حبيب وثرى العالوك ...ومدارسها وريحها واشجارها.......وتحية للاردن وتاريخه الذي يئن تحت ضغوط العولمة وصراعات البقاء و برامج التحديث الحاملة لصفة الاستعجال.....
معذرة يا حبيب يبدو ان عنوان ديوانك الاخير"غيم على العالوك" كان له دلالات اخرى لم نعيها عندما صدر.
تابعو الأردن 24 على google news