jo24_banner
jo24_banner

فشل المقاربة الأمنية الاردنية ..

د. حسن البراري
جو 24 : توصّل صنّاع قرار متنفذون في الدولة الأردنية إلى قناعة تفيد بضرورة إنهاء الحراك الاصلاحي قبل حلول الصيف، وكان أمام الدولة خياران لا ثالث لهما لتحقيق هذا الغرض: فأما أن تظهر الدولة الرغبة السياسية والجدية في محاكمة الفاسدين والعمل بشكل متسارع لانجاز حزمة من الاصلاحات السياسية التي تعيد السلطة للشعب أو أن تحكم الاجهزة الأمنية قبضتها على الوضع والتعامل مع الحراك كملف أمني عن طريق الانتقال التدريجي باتجاه الأمن الخشن وما يقتضيه ذلك من مواجهة مع الحراك ومفاتيحه.،

للخيار الاول على وجاهته كلفة سياسية لا يبدو أن النخب الحاكمة قادرة على تحملها، فأي محاكمة عادلة وشفافة للفاسدين ستطال رموزا سقطت شعبيا وأصبح تقديمها للمحاكمة امتحانا عسيرا لمدى جدية الدولة التي تتهم بأنها تتستر عليهم. وكان لا بد من نسف هذا الخيار عن طريق خلط الحابل بالنابل وجر الحراك لمواجهة مفتوحة تبريرا لتصفية الحراك عن طريق توظيف مقاربة الأمن الخشن، وجاءت تهمة اطالة اللسان والمس بمكانة مؤسسة العرش كحصان طروادة للانقضاض على الحراك بعد أن توهم بعض الأمنيين بأنهم يعيشون في خضم معركة طروادة!

من هنا جاءت فكرة استهداف الحراك لاضعافه وبخاصة بعد التقارب بين الإسلاميين (الذين خرجوا من الشارع) ورئيس الحكومة الخصاونة، فكانت الطفيلة هي مختبر لاجراء التجربة الأولى للأمن الخشن، وهكذا جرى اعتقال عدد ممن تعتبرهم الاجهزة الأمنية مفاتيح الحراك بتهمة اطالة اللسان وزجهم في السجون دون محاكمة .

وحتى مع غياب الإسلاميين التكتيكي عن الشارع استمر الحراك يكتسب زخما بعد أن أصبحت القضية الأولى للحراك هي الافراج عن احرار الطفيلة الذين زجوا في السجن في حين ما زال الفاسدون يتجولون بكل حرية. ووصل الأمر حد انتخاب معتقل الرأي سائد العوران لنقابة المعلمين ليبعث الشارع برسالة واضحة بأن فلسفة الاعتقالات والترويع وتخويف الناس لن تجدي نفعا مع الاردنيين. وهكذا تداعت القوى الحية إلى وقفة احتجاج على الدور الرابع يوم السبت الماضي تطالب بالافراج عن المعتقلين الطفايلة لتقابل بقبضة أمنية هي الاشد فتكا لغاية الآن، فألقي القبض على عدد منهم وضرب عدد آخر واستمعنا لشهادات عن حالات من التعذيب والتنكيل كما جرى مع إبن السفير الاردني محمد داودية الذي علق ساخطا على الاجراءات الاستفزازية والتعذيب الذي طال هؤلاء المتظاهرين المعتقلين.

العقيدة الأمنية الجديدة التي تستند على سياسة حافة الهاوية واستهداف المتظاهرين هي الأمل الأخير أمام الدولة للقضاء على الحراك، وبما أن الأمور تقاس بنتائجها، فلنا أن نتساءل عن الجدوى من توظيف هذه المقاربة. فهل نحج اعتقال الطفايلة ومن بعدهم في ايقاف الحراك؟ هل نجحت المقاربة الأمنية في ثني ارادة المتظاهرين للتوقف عن اطالة اللسان أو ترديد شعارات تجاوزت الخطوط الحمراء التي لم تعد موجودة ولم يعد يعترف بوجودها النشطاء وغيرهم ؟ هذان هما السؤالان الرئيسيان؟

الاجابة جاءت مدوية اليوم عندما خرج المئات من الأردنيين مرددين شعارات مماثلة لما ردد على الدور الرابع الأسبوع الماضي وبعضها تجاوزها بمراحل . فلماذا لا تقوم الاجهزة باعتقال متظاهري الجمعة لذات السبب؟ لماذا لم تنحج المقاربة الأمنية باجبار الناس على خفض الشعارات التي شكلت استفزازا للأمن على حد تعبير نطاقه الرسمي؟!!

النتيجة هي فشل المقاربة في رفع الكلفة على المتظاهرين وجلبت للاردن انتقادات قاسية وردت في تقارير منظمة الهيومان رايتس ووتش وتقارير منظمة العفو الدولية، فاهتزت بذلك صورة الاردن داخليا وخارجيا بعد أن استمر الحراك في تماسكة متجاوزا التهديد والاستهداف أو الاغراءات في حالات معينة. وبعيدا عن عودة الاسلاميين للشارع بعد اختلافهم مع حكومة الخصاونة فإن الحراك الاصلاحي لن ينتهي إلا باصلاحات سياسية لا نفهم لماذا سارت بها الدولة الاردنية بشكل متردد وبسرعة السلحفاء وأفرغتها من مضمونها!
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير