إيران حين تتحدى!!
في مؤتمر صحفي يوم الأحد الماضي، قال القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري “إن عددا من عناصر فيلق القدس موجودون في سوريا ولبنان. غير أن ذلك لا يعني أن لنا وجودا عسكريا هناك. إننا نقدم (لهذين البلدين) نصائح وآراء ونفيدهم من تجربتنا”. وفي نبرة تحدٍ واضحة، أضاف جعفري “نحن فخورون بالدفاع عن سوريا التي تشكل عنصرا مقاوما “ضد إسرائيل” عبر تزويدها بخبرتنا بينما لا تخجل دول أخرى من دعم مجموعات إرهابية في سوريا”.
وفي حين يعلم الجميع أن عناصر الحرس الثوري الإيراني يتواجدون منذ عقود في لبنان في إطار مساعدة حزب الله، فإنها المرة الأولى التي يعترف فيها مسؤول إيراني كبير بوجود عناصر في الساحة السورية يساعدون النظام السوري في مواجهة الانتفاضة الشعبية التي تحولت منذ شهور إلى مسلحة، وإن لم يختف الجانب الشعبي.
لم نكن في حاجة إلى كلام جعفري لكي نعرف أن الخبراء الإيرانيين موجودون في الساحة السورية منذ شهور بعيدة، وقد أكدنا ذلك مرارا وتكرارا هنا وفي منابر أخرى، بل قلنا -أيضا-: إنه لولا المساعدة الإيرانية لما كان بوسع النظام الصمود كل هذا الوقت. طبعا إلى جانب السلاح الذي يُضَخ بلا توقف، مع مساعدات اقتصادية كبيرة.
من الصعب القول: إن هناك جنودا إيرانيين يتحركون في الشوارع، وإن لم نستبعد وجود بعضهم في سياقات معينة تتعلق بالإشراف على بعض العمليات، لكن الجيش السوري المترهل لم يكن له أن يصمد لولا المساعدة الإيرانية التي بدأت منذ انطلاق الثورة المسلحة عبر تشكيل كتائب علوية بالكامل تحت إمرة ماهر الأسد تبعا للشكوك التي ساورت النظام حيال الآخرين، بخاصة السنَّة الذين صار كل واحد منهم برسم الشكوك بعد توالي انشقاقهم عن الجيش النظامي.
ولكن لماذا قررت القيادة الإيرانية الإفصاح عن طبيعة وجودها في الساحة السورية في هذه المرحلة بالتحديد؟
ما ينبغي أن يقال قبل الإجابة عن السؤال هو أن التوضيحات التي قدمها جعفري حول طبيعة المساعدة التي تقدمها بلاده للنظام السوري لا قيمة لها؛ لأن الجميع يدرك أنه لولاها لما كان بوسع النظام أن يصمد كل هذا الوقت، فضلا عن أن جعفري لم يكن ليعترف بكل الحقيقة في هذه المرحلة، لكن الرسالة وصلت على أية حال.
الجانب الأول للرسالة التي بعث بها جعفري هي للداخل السوري، أعني للعلويين على وجه التحديد، وربما للأقليات التي لا زالت تقف إلى جانب الأسد، وهي رسالة خلاصتها أن النظام ليس برسم السقوط (لأننا معه بكل قوتنا)، وأن عليكم أن تحافظوا على تماسككم حتى تجاوز الأزمة، وبالطبع بدل أن تقعوا في قبضة قوىً تعاديكم وتتربص بكم الدوائر. هذا البعد ليس سهلا بحال، ذلك أنه من دون تماسك العلويين والأقليات من حول النظام، فسيكون برسم الانهيار خلال وقت قصير.
الرسالة الثانية التي حملتها تصريحات جعفري هي للوضع العربي والتركي بشكل خاص، وخلاصتها أن النظام لن ينهار، وأنه ليس بوسعكم إذا أردتم تجنب المزيد من التدمير وإطالة المعركة هو التفاوض مع إيران على حل سياسي مقبول.
هي رسالة للعرب، وفي مقدمتهم مصر التي تحاول لعب دور مساند للثورة، أقله على الصعيد السياسي. كما هي رسالة لتركيا أيضا، لاسيما أنها تأتي معطوفة على مساعدات واضحة لحزب العمال الكردستاني الذي صعّد من عملياته ضد القوات التركية على نحو قد يزيد في رفض الشارع التركي لدور بلاده في الأزمة السورية، فضلا عن تحريض الطائفة العلوية التركية ضد تدخل بلادها لصالح الثورة.
هي إذن غطرسة تتجاوز الحدود، كما أنها استفزاز استثنائي للمحيط العربي والإسلامي يزيد في الحقد العام على إيران وسائر حلفائها في المنطقة، ولو تدبر القوم الموقف لأدركوا أن خسارة غالبية الأمة لا تساويها خسارة، حتى لو كان بوسع نظام الأسد البقاء، مع أنه ليس كذلك بحال، حتى لو استمرت المعركة أعواما أخرى.
على أن الأهم من ذلك هو ضرورة الرد العربي والتركي على هذا المستوى من الغطرسة، وبالطبع عبر رفع مستوى التسليح والمساعدة متعددة الأشكال للثورة السورية، لاسيما أن السماح لإيران بالانتصار في هذه المعركة سيعني لهم الكثير، أقله في المدى القريب.
ستدرك إيران، ولو متأخرة أن وقوفها إلى جانب بشار الأسد هو القرار الأكثر رعونة في تاريخها منذ انتصار الثورة ولغاية الآن، والأيام بيننا.
(الدستور)