ثألولة
رمزي الغزوي
جو 24 : في ليالي الصيف الموشحة بالنسمات الطرية، كنا ننام على أسطح البيوت مشرعين أحلامنا للبعيد، ماخرين عباب المجرات، لنستريح على خاصرة مجرة درب التبانة القريبة قاب حلمين أو أدنى. ولأنني كنت مولعاً بعدِّ النجوم والتأشير عليها بأصابعي وقبلاتي وهمساتي، فقد حذرتنا جدتي أكثر من مرة، بأنه وبكل نجمة تؤشر عليها؛ ستبزغ على جلدك ثألولة قبيحة، تكبر وتكبر، حتى تملأ جسدك الصغير!. أخي كان كلما حاولت أن أوقظ نجمة غافية في طرف السماء؛ كان يدفن رأسه تحت ظلمة اللحاف، ويبشرني بالثآليل التي ستجتاحني من (ساسي لراسي)!، لكن الآية انقلبت، رأساً على عقب، فأصابعي ويداي ظلتا بلا ثآليل، ولكن واحدة بزغت، وأخذت تنمو بسرعة على يد أخي، ولهذا كان يعنفني ويقول لي، وهو يجوس ثألولته المتنامية بشراهة: لو كان هناك نصف عدل، لصرتُ أنت ثألولةً كبيرة أيها العنيد!. طلبوا منا أن نصطاد (حرباء)، حسب اعتقاد سائد بعلاج الثآليل، حرباء ندفنها حيّةً على مفترق طرق، فبعد أن تجف في قبرها، تجف الثألولة وتسقط كثمرة ميتة، أما جدتي فقد علَّقت خُمرة رأس بصل بخيط في هواء الدار، فجفَّ البصل، لكنَّ الثألولة القبيحة، لم تزدد إلا امتلاءً على صفحة يد أخي، ثم عمدنا إلى باذنجانه وضعناها بين أفرع شجرة تين، فقد قالوا أنه عندما تبدأ الباذنجانه بالذبول، فأن الثألولة ترافقها أيضاً بالذبول، ومع ذلك ظلت الثألولة تزداد نضوجاً!!. ذات مرة وبعدما يأسوا من كل طرائق العلاج، قلت لأخي: لماذا لا تنام وأنت تحدق في السماء بكل اتساع عينك وقوتك وحلمك وإرادتك، ولماذا لا تؤشر على ملايين النجوم وتداعبها، قبل أن يطرق النوم بابك؟!، ولماذا لا تنزع من رأسك تلك المخاوف؟!. وعندما صار ينام، وهو مخرج رأسه لإرادته وأحلامه، وأخذ يعدُّ نجومه الطافحة في صحن السماء نجمة نجمة ويراقصها، خبت ثألولته الحقيرة من حيث لا يدري وسقطت مثل برعم ميت!. إسرائيل ثألولتنا السرطانية لم تنم ولم تترعرع ولم تكبر إلا على خوفنا من أن نحدق بها، بكل اتساع إرادتنا وقوتنا، وقد علمنا أن كل الخزعبلات وكل رؤوس البصل التي تملأ حياتنا، وأن طرقنا الحربائية، كلها لن تنفعنا، مالم ننتصر على خوفنا، ونحدق في هذه الثألولة القبيحة، ولسوف تذبل وتضمحل وتسقط كما سقطت ذات قوة ثألولة أخي!.