jo24_banner
jo24_banner

موسم العبرة من الحبشة

رمزي الغزوي
جو 24 :






لن يجرؤ أحد ويكسر أرقامنا القياسية في طبيخ أكبر منسف على وجه البسيطة، ولا حتى في دحبرة أضخم (زر لبنة)، أو خبز ولفلفة أوسع منقوشة زعتر. فهذه سباقات حصرية لنا فيها قصب السبق؛ ليبقى السؤال المر عالقا في غلصمة الحلق: ماذا سنكسر من الأرقام إن دخلنا مضمار الأشجار.

هالني الخبر القادم من الحبشة (اثيوبيا) وهي تحطم الرقم القياسي بزراعة ما يزيد عن 350 مليون شتلة في نصف يوم. الرقم لا يكشف قوة الآخرين بقدر ما  يفضح عجزنا. فذلك البلد القابع في القرن الأفريقي المصاب بالتصحر وقلة الموارد أطلق مباردة (بصمة خضراء)؛ لأن غطاءهم النباتي تراجع إلى 5 بالمئة من مساحة البلاد، ونحن غطاؤنا من الغابات لا يتجاوز الواحد بالمئة في أحسن الحالات. 

350 مليون شجرة تغرس في نصف يوم!. هذا عمل يسابق دحرة اللبنة، ومنسفة المنسف وتشريك خبز الشارك. هذا الرقم لا بد وتقف خلفه همة عالية، كأعلى ما تكون عليه الأشجار. ولهذا حطموا الرقم العالمي الذي كانت تحمله ولاية (ماديا براديش) الهندية حينما زرعت 66 مليون شتلة على ضفاف نهر نارمادا قبل عامين.

فكم شجرة نستطيع أن نزرع في السنة؟ وليس في نصف يوم؟. وإذا كان الجواب مخجلاً عسيراً فسنقلبه لنقول: كم شجرة نجزّ ونعدم ونفني؟ كم حريقاً أشعلنا في غاباتنا هذا العام، وظل الفاعل معروفاً ومجهولا؟. كم شجرة نستيطع أن نقلع دون أن يرف لنا جفن أو يهتز فينا رمش؟ 

نحن نزرع فقط أمام حدقات الكاميرات. فما زال يحرقني القهر حينما شاركت في واحد من احتفالات يوم الشجرة، ورأيت جل المشاركين ينسحبون دون أن يزرعوا الأشتال المهيأة بجوار حفرها، بعد أن انسحب راعي الحفل، والتقاط الصور معه. 

نحن نقطع أشجاراً معمرة، ولا نسأل أنفسنا. هل زرعنا بدلا منها؟. طيب، أين ما زرعناه خلال عقود من تلك الاحتفالات الصورية؟. هل يوجد لدينا أشجار بلوط وسنديان وملول فتية بعمر صبية في الرابعة عشرة؟. سنعرف هذا، حينما لا يبقى لدينا شجرة، وحين نفقد الأمل في انتظار شجرة تكبر لتحل مكانها في التراب. 

لدي حلم أن نزرع ملايين الأشجار في جبالنا الجرداء، ونستميت لأجل  حياتها ورعايتها. لدي حلم أن تكون الشجرة أولوية كبرى في نظر حكوماتنا. ألا تضيع غابات معمرة بجرة قلم من مسؤول متغافل أو غافل، وأن نضرب بيد من حديد مافيات التحطيب، التي تجتاح ثروتنا بكل صلافة. لدي رغبة أن نهاجر إلى أرض الحبشة؛ ونتعلم معنى الهمم والقمم والأشجار. 
تابعو الأردن 24 على google news