2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

دول الخليج تقلب الطاولة

د. حسن البراري
جو 24 : بعد مرور أكثر من شهر على التدخل العسكري الروسي في سوريا وفشل قوات الأسد والمليشيات الإيرانية وحزب الله من تحقيق انتصار تكتيكي في المعارك الدائرة، يبدو أن الجانب الروسي بات أكثر إدراكا بأن التدخل الروسي لن يؤدي إلى حسم عسكري كان يعتقد بأنه ممكن.

ويبدو أن جميع الأطراف باتت تدرك أن بقاء الأسد هو أمر غير ممكن عمليا وأن كلفة الحفاظ على بشار الأسد ستكون باهظة، وربما استدعاء روسيا لبشار الأسد لوحده دون مرافقين إلى موسكو على متن طائرة عسكرية لا يوحي بأن بوتين يريد التنسيق مع الأسد بقدر ما يبعث برسالة بأن إقصاء الأسد هو قرار روسي. ويتضح أكثر وأكثر بأن التدخل الروسي يهدف إلى إحكام قبضتها على ورقة هامة للمساومات مع خصوم الأسد في قادم الأيام.

لعل التصريحات السعودية والقطرية التي وردت على لسان وزيري الخارجية عادل الجبير وخالد العطية شكلت منعطفا في الصراع الدائر، فهي تصريحات رفعت من معنويات الثوار وبعثت برسالة واضحة للروس بأن تدخلا قطريا وسعوديا نوعيا وغير مباشر من شأنه أن يجعل سقوط طائرات السوخوي مسألة قرار خليجي، ويبدو أن روسيا التي هالها عدم تأثير طلعاتها الجوية على مسار المعارك والتي استبطنت أن هجماتها الجوية لم تؤد إلا إلى مزيد من الدمار دون فعالية بدأت تبحث عن مخرج آخر وهو الحل السلمي هذه المرة من خلال التوافق مع الداعمين الرئيسيين للثوار السوريين على المستوى الإقليمي والدولي.

وبالفعل هناك بعض التقارير التي تشير إلى أن بوتين وضع إطارا سياسيا لانتقال سياسي في سوريا يتخطى عقدة الأسد بعد أن يصل إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة ودول رئيسية في المنطقة، ويبدو أن روسيا حصلت على جزء كبير مما تريد: فهناك اعتراف دولي بدورها في سوريا وبمصالح روسيا في أي عملية سياسية قادمة، كما حصلت روسيا على ما يحفظ ماء الوجه وهو التفاهم على ألا يكون إخراج الأسد بداية لعبة الانتقال وإنما نتيجة لها، وفي لقاء الأسد مع بوتين تم الحديث عن ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة وإلحاق هزيمة بالإرهاب حتى يكون خروج الأسد مشرفا بدلا من أن يكون نتيجة لهزيمة عسكرية في الميدان، واللافت أن روسيا بتدخلها تمكنت من إنقاذ الأسد من الانهيار لكنها أيضا أصبحت تحتكر مسألة إخراجه من السلطة وهذا سيضعف من دور إيران التي تريد هي الأخرى الاحتفاظ بورقة الأسد لتساوم عليها.

الحسابات الروسية بالغة التعقيد، فدخول سلاح الجو على خط المعركة في سوريا لصالح قوات بشار دفع بدول الخليج وتركيا إلى تسهيل دخول صواريخ التاو التي استخدمها الثوار بكفاءة عالية ما أربك الحسابات الروسية، وعلى الأرجح أن الروس يخشون من سيناريو أفغانستان وبخاصة بعد التهديدات الخليجية التي فهمت ضمنيا بأن صواريخ مقاومة للطائرات ستكون بيد الثوار قريبا ما يعني تحجيم حقيقي للطائرات الروسية التي تقصف كيفما تشاء، وبكل تأكيد لا تريد روسيا لطائراتها أن تبدأ بالتساقط مما يوجه ضربة كبيرة لسمعة سلاح الجو الروسي الذي لم يجرب في معركة حقيقية منذ عقود.

خوف روسيا من الأفغنة وخشيتها من امتلاك الثوار لصواريخ تعرف روسيا جيدا مدى فعاليتها وتحسبا من ردة فعل روسية داخلية هي عوامل دفعت الرئيس بوتين إلى التفكير في الوقت المناسب للخروج من مأزق وذلك عبر مبادرة تحاول روسيا أن تخلق انطباعا حولها بأنها تقدمها من موقع قوة.

أهمية لقاء فيينا الذي يعقد اليوم تكمن في توفر إجماع دولي (باستثناء روسيا وإيران) بأن أي طرح لحل الأزمة السورية دون الحديث عن جدول زمني لرحيل الأسد هو مناورة مقززة لم يعد المجتمع الدولي بقادر على تحملها أكثر من أي وقت مضى، وعلى نحو لافت تتصرف دول الخليج وتحديدا قطر والسعودية بشكل متقدم على الولايات المتحدة وكأن حلفاء الولايات المتحدة قرروا امتلاك زمام المبادرة دون انتظار أحد.

وفي هذا السياق علينا التدقيق بتصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي قال بأن حلفاء الشعب السوري سيختبرون جدية داعمي الأسد وأن في جعبتهم خططا أخرى لإجبار الأسد على الخروج من سوريا.

الأسابيع القادمة ستكون حبلى بالأحداث، والجديد في الأمر امتلاك دول الخليج الرئيسية لزمام المبادرة وقدرتها على إبقاء موضوع رحيل الأسد على الطاولة، وروسيا بدورها التقطت الرسالة الخليجية وهي تعرف بأن بمقدور هذه الدول تحويل سوريا إلى جحيم لسلاح الجو الروسي وهو أمر تخشاه روسيا أكثر من أي شيء آخر. باختصار شديد، ملّ المجتمع الدولي من بشار الأسد ومن تواطؤ روسيا وإيران مع رئيس غير شرعي يراه المجتمع الدولي بأنه مجرم حرب بعد أن تسبب بمقتل أكثر من ربع مليون من شعبة ومن ترحيل الملايين.

ومرة أخرى فإن المستجدات الأخيرة (استعداد دول الخليج لدعم الثوار بأسلحة نوعية وفشل تدخل روسيا العسكري في صناعة الفرق) ستقلب الطاولة وتضع قواعد جديدة للعبة ستفرض على روسيا التفكير مليا بإستراتيجية خروج قبل فوات الأوان.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير