jo24_banner
jo24_banner

انتهت الرحلة....فلا تعاندوا القدر

د. صبري اربيحات
جو 24 :

بهذه الكلمات ودع محمد حسنين هيكل اسرته ومحبيه ليسدل الستارة على الفصل الاخير من رحلتة التي كان خلالها استاذا ومؤرخا وفيلسوفا ومعلما وتلميذا تتجاوز اهتماماته حدود الزمان والمكان.

عبر اكثر من سبعة عقود لم يغب عن عيون هيكل ولا عقله ايا من الاحداث التي شغلت البشريه فقد اقبل عليها بشغف ونهم ووعي وعبقرية عز نظيرها...فادرك التاريخ وجالس صناعه وخبر الاحداث ولاحق تفصيلاتها دون ضجر او خوف او خذلان للمهنة التي اعطى لها وارتقى بها حتى اصبح ايقونة من ايقوناتها العالمية.
في مسيرة الصحفي الذي يصعب ان تذكر الاهرام دونه او ان يذكر اسمه دون ان تمر بالخاطر دروسا وفصولا وامثلة حول معنى الصحافة ورسالتها وقيمها وثراء شخصية الصحفي الذي يحرص على ادامة المتعة التي تولدها المعرفة والايمان بمشروعية السؤال و التطلع الى نشوة الاستكشاف.
لا اظن ان احدا من بين الصحافيين الذين ينتمون الى جيل هيكل والاجيال التي تتلمذت على يديه من سيسد الفراغ الذي سيتركه في وجدان تلامذة التاريخ الذين يعشقون روايته التحليلية واجتهادات الراوي في تأويل الاحداث مستدعيا عشرات العوامل والمتغيرات التي قد لا تكون حاضرة في الاحداث التي تلتقطها الكاميرات وتظهر في اوراق الوثائق والمعاهدات والبيانات التي تتلى في نهاية الاجتماعات واللقاءات البروتوكولية.

لقد كان هيكل مكونا من مكونات المشهد الثقافي السياسي الاعلامي العربي صاحب منهج شمولي في القراءة والفهم والتحليل بالرغم انه اغضبنا مرارا وازعج ضمائرنا المستقرة فتداعينا للرد عليه واتهامه بالانحياز والادعاء والتضليل.
لقد اثارنا هيكل بقراءاته الجريئة الخلاقة للأحداث دون ان يدرك او ربما انه تعمد ان يضعنا في مواجهة مع انفسنا لحدود الاحراج وقال لنا الكثير من القصص والروايات والاحداث التي تناقض روايتنا وقد لا تعجبنا . ومع ذلك فقد احتفظنا لانفسنا بحقيقة اعجابنا بقدرته على متابعة الاحداث والمتغيرات وربطها بالامكنة والشخوص والازمان عبر شبكة علاقات لا تعير نفسها للملاحظة الا لاشخاص على شاكلة هيكل الذي لم يتوقف يوما عن ان يبرهن لنا كم كان حاضرا متوقدا ومدركا لاهم مفاصل التاريخ البشري واحداثه الغابرة والمستجدة ومساراته اللاحقة.

بغياب هيكل اليوم تفقد الامة عميد مدرسة من مدارس الاعلام الممزوج بالسياسة والتاريخ وحكيما من الحكماء الذين عرفوا اوجاعها ومكامن قوتها وضعفها فقد شهد ولادة امالها ورحلتها نحو الاستقلال والتحرر ورحل قبل ان ينتهي فصل التدهور والانهيار الذي تسري عدواه في اواصرها,

 
 
 
 
تابعو الأردن 24 على google news