وزير العدل المستقيل..!
يبدو أن وزير العدل المستقيل، أراد أن يعلم الناس درسا جديدا في أخلاقيات العمل السياسي، فاحتج على ما اعتقده تجاوزا على حقوق من سماهم بالأغلبية الصامتة، وقدم استقالته.
لكن هذا الوزير العصبي، نسي أن التصور الفردي، الذي يؤذن لكل إنسان أن يرى ما يراه هو، وأن يفعل ما يراه هو، يؤدي إلى القضاء على معايير الأخلاق، وأصول الواجب الرسمي.وقد ينفرد الإنسان بآراء جريئة، لا نكاد نجد لها نظيرا، وتكون صائبة. وهنا يظهر التميز والشجاعة والقوة.
إن هذا الوزير الذي احتكم إلى رأي الأغلبية، يريد أن يفرض على الدولة أهواء الأغلبية وأذواقهم، ولكن التجربة والشواهد، تدلنا على أن أمور السياسة، تجري دائما دون أن يحسب حساب أهواء العامة وأذواقهم وأغراضهم. فليست مهمة الوزير أن يعلم الناس ما ينبغي أن يكون، لأنه ليس الرجل الذكي الوحيد، وحتى لو انه حاول ذلك، فإن محاولته تأتي متأخرة بعد أن يكون الواقع قد أتم عملية تكوين نفسه.
صحيح أن كل إنسان يسعى لتحقيق مصلحته، إلا أن وجود الحكومة، هو أنجح وسيلة، لحماية هذا الإنسان، من الفوضى والأضرار، الناجمة عن تزاحم الناس على مصالحهم الذاتية، على الرغم مما يجره هذا، من وضع قيود على حرياتهم. فكل إنسان من حقه أن يعيش آمنا على حياته، لكن من المستحيل تحقيق ذلك، إذا فعل كل إنسان ما يريده.
فالوزير في موقعه، ليس لتنفيذ ما يملا عليه، وليس لتنفيذ ما يريده هو، كونه غير معصوم عن الخطأ، ويعمل ضمن فريق متكامل، لتنفيذ سياسة توافقية، وفق خطة تضعها الحكومة مجتمعة. ثم إن معظم المخالفات التي صدمتنا في الواقع السياسي، كانت في واقعها نتيجة الانفراد بالرأي ، واتخاذ القرار في غياب المرجعية.
إن الوزير يمتلك حق رفض التوقيع على عمل مخالف، ويستطيع أن يكون في موقع الدفاع عن حقوق الأغلبية من مكانه في الوزارة، أفضل من أن يكون مع الجماهير بعيدا عن الحقيقة، إلا إذا كانت الاستقالة لأسباب أخرى.
وعلى الرغم من كل ما انتشر من شائعات، عن سوء عمل الحكومات السابقة، فإن ذلك لا يلغي حقيقة ثابتة، وهي أن الحكومة تتحلى برأي يقوم على العلم، على عكس الأغلبية التي غالبا ما يصدر رأيها عن العادة، ويعتمد هذا الرأي العام على الظروف والصدف، فقد يكون رأيهم حقا وصائبا، ولكنهم توصلوا إليه بالصدفة، وليس عن طريق العلم، كما هو الحال في المجلس الوزاري مجتمعا.
وتبعا لذلك، فإن الوزير الذي يرتكب خطأ هو عالم به، خير من الوزير الذي يرتكب خطأ هو غير عالم به. وهذا يعني عدم قبول الأعذار التي ينتحلها الوزراء، حينما يبررون ارتكاب الأخطاء عن طريق الجهل فالوزراء يختلفون بعضهم عن بعض بالعلم، فهذا يعلم علما خاطئا، أن هذا الشيء خير، بينما الآخر يعلم علما صحيحا أن هذا الشيء نفسه شر، فالأول يفعله والثاني يتجنبه.
إن هذه الظاهرة، التي تشبه ظاهرة الانشقاقات، في الدول التي تعصف بها الثورات، إذا وجدت ترحيبا من الجماهير، وحصل فيها الوزير المستقيل على لقب بطل عظيم، ورجل عصامي، ووطني حر، سوف نجدها تتكرر في كل مناسبة، وبدون سبب.
إننا لا نستطيع قبول هذه الظاهرة المقنعة، تحت أي ظرف من الظروف، كما أننا لا نستطيع التسليم بها،والسير في مواكبها، بناء على اعتبارات الرأي العام والأكثرية الجاهلة، أو بناء على إعطاء وجهة نظر الوزير قيمة وطنية خالصة من الميل الشخصية.