jo24_banner
jo24_banner

الشعر عنصر تخريب للحياة..!

صالح خريسات
جو 24 :

قبل نحو من ألفين وأربعمئة سنة، رفض سقراط قبول الشعراء والأدباء في الدولة. ومن بعده جاء أفلاطون، وقرر طردهم.. وعلى الرغم من أننا نقرأ هذه الأطروحات، إلا أن أحدا منا، لم يجرؤ على التصريح، بان الشعر ليس ثقافة!
والجواب لأن مجتمعنا كله شعراء، ومصادر تاريخنا كله هي الشعر، ولو تقرر إلغاء الشعر، لمات حملة الدكتوراة من الجوع. بل إن المسؤولين في الدولة، خدعتهم الظاهرة نفسها ، وقربوا الشعراء من مراكز الصدارة، وأورثوهم الوزارة!
وحين نتأمل مئات الملايين، من الكتب الأدبية، والرسائل الجامعية، ودواوين الشعراء، يزداد حجم المشكلة على ما أنفقنا فيها، وتتبين حاجتنا إلى الكتب العلمية، التي تميز بين الحقائق والأساطير، وتبحث الأسباب وتعلل النتائج.
وحين نفكر في ولوج المستقبل، نتعلم لغة أخرى، ونقرأ كتبا أخرى، وكأن هذه المؤلفات الضخمة الجميلة، من الأدب، والشعر، لم تغن شيئا، فما فائدتها؟!
لكننا نفسح المجال كله في صفحات الجرائد، والمجلات، ووسائل الإعلام، لهذه الهواجس ، لتأخذ مكان الصدارة، رغم أنها تنعش فينا الرومانسية المتشائمة، والتخيلات المفعمة، والأحاسيس الكئيبة. فالشاعر يبكي، والعاشق يبكي، والمحب يبكي،.. والكل يبكي. حتى الطرب والغناء ، زوره الشعراء، وجعلوه بكائيات على الأطلال ، وهذا كله يخلق في أجيالنا نوعا من الشعور، يشابه كسوف الشمس في نفوس الناس، ووعيهم.
واحسب أن العربي حين يفقد عقله، من الفقر، ولوعة الحب، فانه يقول الشعر أجمله. وقد قرر الفلاسفة من قبل، أن العقل حين ينام، يظهر الشعر ويصحو. وقديما كان العرب يحسبون أن لكل شاعر شيطانا، يأتيه في خلوته، أو حين ينام، وهذا يعني أن الشعر خيالي كاذب، علاوة على انه يخاطب الأحاسيس البائسة، المتوجعة، النائمة في أعماق الإنسان، ويقوى رغبتنا في البكاء والسخرية من كل شيء، ويجبرنا على قبول حتى تلك الحالات الشاذة، التي ترفضها النفس البشرية في كل زمان.
فداخل دائرة العقل، ليس هناك مكان للشاعر. هذا الكائن المتنوع، المتعدد، الغاص بسحره، وخياله الواسع. فيجب إخضاع الشعر ووسائل الترفيه، والغناء والمسرح، لحركة الفكر ، حتى ولو كانت هذه الحركة، خفيفة وبطيئة.
فالشعر إذا تحول إلى بوق دعاية، أو إلى شكل من أشكال الترفيه السطحي الساذج، فان المجتمع يسقط، ويغرق في وحل الوهم والخيال، وينسلخ عن العالم كله.
والكآبة لا تكون إلا في الشعر. ولو أن جيشا من الأسود ، وضعت بين جنوده شاعرا، لتحول إلى جيش من الأرانب.ويحضرني هنا ما ذكره المؤرخون العرب والأجانب، عن الوضع الذي كان سائدا في الأندلس قبيل سقوطها ، فقد أظهرت عيون الجواسيس التي جاءت بأخبار غرناطة، وعموم الأندلس ، أن الأمراء والشبان، وقادة الجيش، كانوا لا يعرفون شيئا في الحياة، غير الشعر، والغناء، والبكاء على فقدان الحبيبة . وتسجل لنا الموشحات الأندلسية، بعضا من هذه الصور المؤسفة، التي تغلغلت في حنايا قلوب الرجال، وأفقدتهم خشونتهم وسطوتهم، فضاعت البلاد. . فالشعر عنصر تخريب للحياة.
(الراي)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير