2024-12-25 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

معادلات الربح والخسارة والانسحاب الروسي

د. حسن البراري
جو 24 :
يشكل اعلان الرئيس بوتين انسحاب جزء كبير من قواته من سوريا نقطة تحول كبيرة في التدخل العسكري وهي النقطة التي اقتنع بها بوتين أن كلفة التدخل قد تتجاوز العائد بكثير وهو أمر لا تحتاجه روسيا حاليا وبخاصة بعد أن حققت موسكو هدفبها الأساسيين وهما منع سقوط نظام بشار واحتلال موسكو مقعدا هاما على طاولة المفاوضات. فبدا لافتا منذ البداية أن أهداف روسيا هي محدودة وقابلة للتحقق، فهناك فرق كبير بين تمكين نظام بشار وقلب موازين القوى داخل سوريا وههما هدفان تم تحقيقهما وبين بناء الأمة وهو الأمر الذي لم يفكر به بوتين منذ البداية وهذا على العكس من تجربة المحافظين الجدد في العراق.

أحسب أن أحدا لم يكن ليتوقع خطوة بوتين الأخيرة لأنه كان يتحرك بسوريا كما يريد وبتواطؤ أمريكي واضح تمثل بتسليم واشنطن ملف سوريا إلى روسيا، غير أن هناك اعتبارات أخرى كان على الرئيس بوتين أن يأخذها بالحسبان، فهو ربط بين مصداقيته باتفاق الهدنة ومحادثات جنيف وهو أمر بدأ يباعد تدريحيا بين النظام السوري الذي يشعر بزهو غريب وبوتين الذي يريد أنهاء الازمة بحل سياسي يتمتع بشرعية اقليمية ودولية. كما أن بوتين دخل في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي الذي اتهمه بشكل مباشر بأنه هو من خلق أزمة اللاجئين الأخيرة، والراهن أن حجم الغليان الأوروبي كان يجد صدى في المنطقة العربية وهنا نشير إلى مناورات رعد الشمال التي أظهرت أن الجانب العربي ربما أيضا يدخل عسكريا على خط الازمة وهو تطور لو رأى النور لتورطت روسيا في مستنقع أشد وطئة من تجربتها المريرة والفاشلة في أفغانستان في الثمانينيات من القرن المنصرم. وعليه فإن من مصلحة روسيا أن تنزع فتيل التوتر مع الاتحاد الأوروبي.

لهذه الاعتبارات رمت روسيا بثقلها خلف الهدنة حتى تكون مدخلا للمفاوضات تنص على ثلاثة أمور واضحة: حكم انتقالي، دستور جديد، انتخابات خلال عام ونصف العام. الآن اصطدم بوتين مع نظام بشار الأسد الذي تظهر قواته (مع إيران وحزب الله والمليشيات الشيعية) عجزا كبيرا في الميدان وهو أمر يعني أن على روسيا أن تبقي قواتها إلى أجل غير مسمى وهو أمر عمليا غير ممكن نظرا لضعف الاقتصاد الروسي. فوفد بشار في المفاوضات وضع بشار فوق سوريا وفوق التفاوض وكل ما أظهروا بأنهم سيقبلون به هو اشبه ما يكون بتعديل وزاري وهو أمر ترفضه المعارضة وقد يدفع واشنطن لخطة بديلة كان قد ألمح لها جون كيري سابقا قبل أن تطلب روسيا من امريكا امهالها حتى تنضح شروط التسوية.

أخطأ نظام الأسد في فهم الموقف الروسي واعتقدوا جازما أن بوتين على استعداد للتورط عسكريا لحماية النظام في حين أن روسيا كانت ما زالت تتحرك في سياق تأمين مصالحها ولا تأبه كثيرا بمصير الأسد شخصيا، وكان واضحا منذا البداية أن روسيا مارست الخداع والتضليل واعلنت الحرب على داعش والتنظيمات الارهابية لكنها في الوقت ذاته هاجمت فقط المعارضة المعتدلة لتمكين الرئيس بشار من البقاء ولفرض شروط التسوية السياسية على كل أطراف المعادلة بما فيها نظام بشار.

لهذا فإن انسحاب روسيا الجزئي سيدفع بشار الأسد على تقديم تنازلات ما كان ليفكر بها لو بقيت روسيا ملتزمة باحندات الاسد العملياتية والعسكرية. هذا في وقت سيكون فيه القرار متنفسا للرئيس أوباما الذي يقاوم ضغوطات كبيرة للتدخل (كما تبيّن في مقالة جيفري غولدبيرغ الشهيرة في مجلة ذي اتلانتك) وكبح جماح الدب الروسي في سوريا. فكبار المسؤولين الأمريكيين وبخاصة من عمل بمعية أوباما يرى بأن مبدأ أوباما في عدم توريط امريكا في حرب أخرى في الشرق الأوسط وتراجعه عن خطة الأحمر في نهاية شهر آب ٢٠١٣ أضعف من قوة الردع الأمريكية ومصداقية التهديد!

ويبدو أن الرئيس بوتين على عكس التوقعات قد رسم منذ البداية استراتيجية الخروج قبل أن يبدأ ووضع أهدافا قابلة للتحقق وهو ما يمكن الاشارة اليه بانه حقق جزءا لا يستهان به من أهدافه ومنع سقوط النظام الذي كان يتهاوى. ومن دون شك، هناك تنسيق أمريكي روسي بشأن ملف سوريا مع التسليم بحقيقة أن هناك ايضا خلافات لكن التدخل الروسي هو مكلف، وقلنا في غير مرة أن بوتين يفهم منطق العائد والكلفة بعقل بارد ولا يتصرف بردات فعل عاطفية. وقد نكتشف في المستقبل أن هناك تفاهمات سرية بين روسيا وأمريكا على غرار ازمة كوبا في الستينيات من القرن الماضي، وإذ تبين أن انسحاب روسيا هو نهائي فعلينا أن نراقب التطورات في أوكرانيا أيضا لفهم سياق انسحاب روسيا من سوريا.
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير