العلاقات التركية العربية...
د. صبري اربيحات
جو 24 :
لا احد يستطيع - مهما حاول - ان يخفي اعجابه بانجازات تركيا على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية وكافة اوجه النهضة التي جعلتها نموذجا يقتدى به للبعض وموضع نقد واعتراض وتشكيك من قبل البعض الاخر الامر الذي يثير الكثير من الحيرة ويبعث على الاستغراب.
الموقف المشكك في نوايا الاتراك يستمد مبررات التشكيك من ذاكرة المكان العربي فهي مشبعة بقصص وحكايات عن الوجود العثماني والممارسات التي تركت الكثير من الانطباعات التي يصعب ازالتها من الذاكرة خصوصا في السنوات الاخيرة للحكم نتذكر الضرائب ونظام السخرة و الظلم والجباية و العنف الذي ذهب ضحيته الكثير من احرار العرب في الكرك والشام وبيروت واجزاء مختلفة من العالم العربي في مراسم الهبت مشاعر العرب وبررت قيام الثورة والتخلص من الظلم.
غلى الجانب الاخر قبالرغم من هذا التاريخ وما تركه من ندب على العلاقة العربية التركية من الصعب تجاهل العوامل التاريخية الحضارية الثقافية المشتركة بين الامة التركية والشعوب العربية على كل الصعد وفي كل المجالات ...فالاتراك شركائنا في العقيدة والجغرافيا والوجدان وحتى المطبخ كما اننا نشترك واياهم في قضايا واهتمامات تختلف عن كل ما يمكن ان نشترك فيه مع غيرهم من الامم والشعوب مهما حاولنا.
فمن ناحية يصعب ان نجد شريكا اقتصاديا للاردن اكثر قربا وتفهما وحتى تاثيرا اكثر من الشراكة التركية..فالاتراك جزء مهم من تاريخ الاردن والمنطقة تبدو الشواهد على وجودها في مباني السرايا التي تنتشر في كل بلداتنا شمالا وجنوب حاملة لمسماها التركي"السرايا".
عندما تتجه شمالا وجنوبا تجد البرك التركية التي تم تشييدها لجمع مياه الامطار فالى الجنوب من عمان تجد بركة القسطل وبركة زيزيا وهما اللتان ادامت الكثير من الحياة للمنطقة قبل استكشاف تكنولوجيا الحفر والابار الارتوازية...كما لا تخلو منطقة في بلادنا من ابار جمع المياه الامر الذي جعل الاتراك يرتبطون في اذهاننا بالمياه والسدود فقد نفذت شركات تركية العديد من مشروعات السدود في الاردن خلال العقود الماضية...وكان الاتراك موجودون لجر مياه الديسي عندما قررنا ان نحسن مستوى تزويد مدننا الرئيسة بالمياه التي تبعد مئات الكيلومترات عن مستهلكوها المحتملين.
الخط الحديدي الوحيد الذي يخترق بلادنا بناه العثمانيون في مطلع القرن الماضي وجرى افتتاحه عام 1904 ليكون الشريان الذي يصل المشرق العربي باسطنبول. ولينقل الحجاج والمسافرين والبضائع بين الحجاز وسورية ويتفرع ليصل الحواضر العربية بعضها ببعض وييسر التنقل. اليوم تجد اثار وجود الخط الحديدي الحجازي على كل مدننا التي يخترقها الخط الشهير ففي المفرق تمازج سكاني واختلاط حيث شكلت الخطوط احد عوامل استقطاب السكان من مختلف ارجاء الامبراطورية العثمانية ممن عملوا او انتقلوا مع اسرهم للعيش في البلدات التي يسر الخط الحديدي الوصول لها.
الاف العائلات التركية والشركسية والشيشانية التي اصبحت احدى اهم مكونات المجتمع الاردني والمجتمعات العربية في سوريا وفلسطين انتقلت الى المنطقة ابان الحكم العثماني للبلاد العربية.
عندما تذهب في رحلة الى تركيا لا تشعر باي غربة كالتي تشعر بها في بلدان الشرق والغرب فالمآذن تعلو في كل مكان وصوت الاذان يشغل الفضاء ورنين اللغة العربية في كل محادثة تسمعها وورق العنب الملفوف واطباق المحاشي والحمص والقهوة التركية التي ادمنت الشعوب العربية على تناولها صباح مساء تقدم لك في نسختها الاصلية.
الحضارة التي كنا جزء منها وحمل سلاطينها اسماء لا تختلف عن اسماء الاباء والاجداد فمنهم عبدالحميد وسليمان وعبدالعزيز وعبدالمجيد وسميت باسم عثمان كما انها امة قارعت اوروبا واقامت عاصمتها مكان القسطنطينية في حدث قد لا يتكرر في التاريخ.
الغضب على الاتراك مثل الغضب على ظلم الاباء فهو لا يقود الى الكراهية والحاجة الى علاقة استراتيجية مع تركيا مصلحة عربية ينبغي ان لا يجري تجاهلها او استبعادها لمبررات تاريخية او تحليلات مستقبلية تخيفنا...نجاح الاتراك في المزاوجة بين هوية ثقافية اسلامية وتطلع حضاري حداثي نموذج يثير الاعجاب ويستحق الدراسة.