عن المصالحة بين فتح وحماس.. على أي أسس؟
من جديد تعود قصة المصالحة بين فتح وحماس إلى التداول من جديد، ما يطرح سؤالا جوهريا، طالما طرح حول ماهية تلك المصالحة وبرنامجها، وفرص نجاحها قبل ذلك وبعده.
وفيما تتصاعد أحاديث المصالحة، نشاهد قيادة السلطة تتباهى بمطاردة سكاكين الشبان، وتعلن رفضها لما سمّتها انتفاضة السكاكين، مع أنها ترفض كل ما له علاقة بالمقاومة؛ حتى السلمية منها، ونتذكر تصريحاتهم حول إعطاء الأوامر بمنع صدام المتظاهرين مع الحواجز الإسرائيلية.
نشير هنا إلى أن كثيرين دأبوا على تحميل الانقسام كل الأوزار التي ترتبت على القضية؛ في خطاب لا يمت إلى المنطق، ولا إلى الحقيقة بصلة، فقد فاوض عرفات الصهاينة زمنا دون انقسام، وكذلك فعل عباس، وكانت النتيجة لا شيء، بل إن الاستيطان كان يتعزز خلال المفاوضات أكثر من ذي قبل.
وإذا جئنا للحقيقة الماثلة أمامنا، أعني فيما يتعلق بنوايا قيادة السلطة حيال المصالحة، فلا نراها تفهمها سوى انتخابات للسلطة فقط، وليس كما في التفاهمات السابقة، لمنظمة التحرير (أعني المجلس الوطني). والنتيجة أنها لا تريد منها سوى استعادة الشرعية التي فقدتها في انتخابات 2006، وحيث تعتقد بقدرتها على ذلك بتحالف مع القوى الأخرى، ومن خلال بعض «الشطارة»، لا سيما أن مسدسا لا يزال مصوبا باتجاه رأس الشعب الفلسطيني، ويقول له: إما أن تنتخب فتح، أو هو الحصار من جديد (فوز حماس من جديد ليس مستبعدا).
هذا ما يريده القوم من المصالحة، والنتيجة هي ضم قطاع غزة للعبث التفاوضي في الضفة، ولاحقا تكرار تلك المقولات الممجوجة حول السلاح الواحد الذي يعني مصادرة سلاح المقاومة، والخلاصة هي تكريس سلطة تعمل في خدمة الاحتلال، وهو جوهر وجودها في واقع الحال.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: كيف يتم تجاهل الانتفاضة الراهنة، ومسلسل الاستيطان والتهويد الذي يتصاعد أمام أعيننا، ومن ثم الذهاب نحو الحديث عن انتخابات لسلطة تحت الاحتلال لن تزيد الوضع إلا انقساما على انقسامه الراهن؟!
ما الذي سيترتب على هذه الانتخابات غير تكريس مشروع السلطة التي تعيش تحت الاحتلال وتوفر له الأمن، بينما تنتظر «عطاياه» من أموال الجمارك والضرائب، ويتسوَّل قادتها بطاقات الفي آي بي من أجهزة العدو الأمنية؟!
إن المطلوب هو وحدة ميدانية على خيار مواجهة الاحتلال، وإذا كانت قيادة السلطة تدّعي أنها مع المقاومة الشعبية (الحقيقية طبعا؛ بما تعنيه من اشتباك مع حواجز العدو، وعصيان مدني وإعلان مناطق محررة)، فهل تقبل حقا بهذا الخيار، بينما ينحصر الحديث عن الانتخابات في تلك المتعلقة بمنظمة التحرير، ويتم التوافق على إدارة مدنية للضفة والقطاع لا صلة لها بالسياسة؟
وحدها انتخابات المجلس الوطني في الداخل والخارج (لأن ثلثي الشعب يعيشون في الخارج) لإعادة تشكيل منظمة التحرير، وتوحيد الجميع تحت لوائها هي المنطقية، أما التعامل مع السلطة بوصفها دولة، فهو تشويه لحقيقة الصراع مع العدو، ووضع للعربة أمام الحصان، وخضوع لشروط سلطة صُممت لخدمة الاحتلال.
الأزمة في حقيقتها هي أزمة «فتح» التي ينبغي أن تصحح مسارها وتستعيد دورها كحركة تحرر تم تحويلها إلى حزب سلطة حاكم لم يغادر منذ خسر الانتخابات هاجس استعادة الشرعية في انتخابات جديدة، فضلا عن الإصرار على برنامج التفاوض. وإذا ما صححت المسار بالفعل، فإن توحد سائر القوى في ميدان المقاومة سيكون ممكنا كمسار واقعي لتحرير الأرض، وبعد ذلك يمكن الحديث عن منافسة على القيادة والسلطة وفق أسس ديمقراطية.
على أن عدم حدوث ذلك لا يعفي حركة حماس من مسؤوليتها، ومن الأفضل لها أن تبادر إلى طرح مشروع جديد للساحة الفلسطينية يتلخص في إدارة (توافقية) غير سياسية للقطاع والضفة، وإطلاق مقاومة شاملة في كل الأرض الفلسطينية عنوانها طرد الاحتلال من دون قيد أو شرط.