الأردن.. إلى أيــن ؟
بعد الإستدارة الرسمية عن الإصلاح في الأردن وتجاوز نسبة التسجيل للإنتخابات حاجز الـ 50% بقليل، حسمت النخب الحاكمة موقفها وأعلِـن عن 23 من شهر يناير 2013، موعدا لإجراء الإنتخابات النيابية.
ويسعى الرسميون إلى خلق انطباع، يفيد بأن الأردن نجح في استغلال الربيع العربي، وأجرى إصلاحات "هامة"، وأن الكرة الآن في ملعب الشعب والقِـوى السياسية، للمشاركة في الإنتخابات العامة، حتى يشترك الجميع في صناعة القرار السياسي، ويشكل الإصلاحات الأخرى المطلوبة.
غير أن هناك رأيا آخرا، يقول بأن الدولة لم تنجح في خلق توافقات وطنية حول الإصلاحات، بدليل مقاطعة قوى سياسية وعشائرية رئيسية للتسجيل، وبدليل رفض أكثر من مليون شخص التسجيل للإنتخابات القادمة، بحجة أن الإصلاحات شكلية وغير مُـجدية، ولن تغيّر في قواعد اللعبة السياسية ولن تمكّن المواطن الأردني من التأثير في عملية صنع القرار. وهذا يطرح السؤال التالي: إلى أين يتّجه الأردن؟
استعادة الثقة ونزاهة الانتخابات
يجمع المراقبون على أن نقطة التحوّل التي أدت إلى تراجع ثقة المواطن بالسلطة التشريعية، هي الطريقة التي تجري فيها الإنتخابات والتزوير الفاضح الذي تم في السابق، وبالتالي، امتثال المجالس "المُـنتخبة" للتوجيهات الرسمية والأمنية، ولهذا السبب، جاءت التعديلات الدستورية بالهيئة المستقلة للإنتخابات، حتى تضمن أعلى درجات الشفافية والنزاهة ومنع التدخلات الرسمية، التي عادة ما كانت تؤثر في نتيجة الإنتخابات وتضعف من شرعية المجالس، حسب تعبير الدكتور ارحيل غرايبة، أحد أبرز قادة جبهة العمل الإسلامي المعارض.
ويرى عدد من المراقبين والسياسيين، أن الفشل في إجراء انتخابات حرة ونزيهة، من شأنه أن يخلق ظروف الفوضى وتعميق فجوة الثقة. فحتى ينجح الأردن في ضمان تحقيق أدنى درجات التوافق الوطني لمواجهة التحديات الجسيمة القادمة، عليه أن يجسر الفجوة القائمة بين الدولة والمجتمع، وهي فجوة نتجت عن السياسات العامة للحكومات المتعاقبة وضعف المجالس التشريعية، وبخاصة المجلس النيابي الأخير، وتراجع هيبة الدولة.
وتُـعد مسألة استعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، من أهَـم الأولويات، في ظل استمرار الربيع العربي. ويرى المهندس موسى معايطة، وزير التنمية السياسية الأسبق، أن هناك فرصة لاستعادة هذه الثقة في الإنتخابات النيابية القادمة، حتى في حال أن استمر حزب جبهة العمل الإسلامي بمقاطعة الإنتخابات. وهناك عاملان أساسيان يساعدان في عملية استعادة الثقة، حسبما يقول السيد المعايطة يتلخصان في "إجراء انتخابات نزيهة ووصول نوعية ممتازة من المرشحين إلى البرلمان، حتى يستعيدوا التّوازن المفقود بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، بصرف النظر عن الطريقة التي تتشكل فيها الحكومة".
من جانبه يقول الكاتب والمحلل السياسي الدكتور يوسف ربابعة، أن نزاهة الإنتخابات هي خطوة أولى لاستعادة ثقة المواطن، ولكنها ليست كافية. فهناك حاجة لأن يلاحظ المواطن الأردني بأن البرلمان القادم قوي ومستقل وقادر على محاسبة الحكومات وفتح ملفات الفساد، بصرف النظر عن هوية المتّهمين.
ما بعد الانتخابات؟
في ظل هذه التساؤلات، هل يُـمكن للأردن الرسمي القول بأنه نجح في التغيير؟ اللاّفت، أن الحكومة تسعى إلى إقناع أكبر عدد ممكن من المسجّلين للمشاركة بالإنتخابات، حتى تبعث برسالة واضحة مَـفادها أن الأغلبية الساحقة من الأردنيين على قناعة بتوفّر إرادة سياسية حقيقية، للمضي في الإصلاحات، وأن الأردن الرسمي يُـقدّم الإنتخابات، كدليل على "جدية الدولة في الإصلاحات".
غير أن هناك من يختلِـف مع هذا المنطق، إذ يرى الدكتور يوسف ربابعة، أن هناك سلبية عند الشعب، وبخاصة القسم الذي سجّل للإنتخابات تحت الضغط الرسمي. فهؤلاء لن يشاركوا في الإدلاء بأصواتهم، لأنهم غير مقتنعين بالقُـدرة على التغيير. وبهذا المعنى يرى الدكتور ربابعة، أن الإنتخابات بحدّ ذاتها، ستكون مشكلة، لأنها قد لا تفضي إلى برلمان يعبِّـر عن إرادة الشعب، وقد يكون نسخة عن برلمانات ضعيفة سابقة، وهذا ما سيُـقوّي من حجّة المعارضة، ويخلق شروط عدم الإستقرار السياسي، لأن الشعب سيُـطالب بحل المجلس القادم وإسقاط الحكومات المتولدة عنه.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور ارجيل الغرايبة، أحد أبرز قادة جبهة العمل الإسلامي: "إن الأصل أن تكون الإنتخابات قائمة على التوافق، والذهاب إلى انتخابات من دون توافق، لن يساعد الأردن على تخطّي مربّع الأزمة، التي ما زال يُـعاني منها. فالمجلس القادم سيُعاني من بعض الاشكالات، التي كانت سببا للمطالبة بحلّ المجالس السابقة".
في الوقت نفسه، لا يرى الدكتور الغرايبة أن هناك تغييرا منهجِيا في الحكم، حتى مع إنشاء الهيئة المستقلة والمحكمة الدستورية، اللتين لم تشارك بهما المعارضة ولا مؤسسات المجتمع المدني، وبقيتا مقصورتين على موظفي الحكومة والرسميين.
الوزير الاسبق موسى معايطة لا يتفق مع هذا التحليل على منطقيته، بل يرى أن "الطريقة التي ستجري بها الإنتخابات ستساعد كثيرا في إيجاد مجلس قوي يُحاسب الحكومات، ما يعني أن المعارضة ستُعاني من عُـزلة وضُعف في الشارع"، على حد قوله.
(swiss info)