2024-09-02 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

بين صادق خان وجون الجهادي

د. حسن البراري
جو 24 :


لقي انتخاب صادق خان –البريطاني المسلم من أصل باكستاني- رئيسا لبلدية لندن ترحيبا واسعا في الصحافة العربية التي هلل أغلبها وكأن في ذلك نصرا للمسلمين في حين أن القضية برمتها لا يمكن فهمها إلا في سياقها الطبيعي والموضوعي إذ لا يمكن اعتبار صادق خان ناطقا بلسان المسلمين أو ممثلا لهم. فالانتصار بهذا المعنى هو للمجتمع الإنجليزي الذي لم يلتفت فيه الكثير من الناخبين لديانة وأصل صادق خان مع أن هناك من بين الناخبين من أدلى بصوته ضد صادق خان أو معه بسبب الخلفية الديمغرافية والدينية له.

انتصر صادق خان على زاك غولدسميث –مرشح حزب المحافظين– لأنه يمتلك برنامجا أفضل بالنسبة لغالبية اللندنيين، وما من شك أن الناخب الإنجليزي يعرف كل شيء تقريبا عن صادق خان وعن خلفيته الإثنية والدينية ومع ذلك صوتوا له في زمن الإرهاب والإسلاموفوبيا، والمفارقة تتجلى بأبشع صورها في الجدل الدائر بين العديد من المغردين العرب الذين تجاهلوا الحدث وما يترتب عليه وركزوا على جدل سقيم يتعلق بديانة صادق خان وفيما إذا كان سنيًّا أو شيعيًّا!

مرة أخرى، نقول أن صادق خان لم يرشح نفسه إلا كمواطن بريطاني ولم يطرح نفسه كممثل للمسلمين في لندن، وهو بذلك يوجه صفعة قوية لحركات الجهاد الأوروبية التي تحاول خلق انطباع أن المسلمين مستهدفين وتلعب على أزمة الهوية لدى بعض المسلمين المهاجرين في أوروبا. بمعنى آخر، قدّم صادق خان نموذجا أرقى وأكثر إنسانية من نموذج جون الداعشي الذي أيضًا عاش في لندن وامتهن في تنظيم داعش مهنة قطع الرؤوس قبل أن تتمكن القوات الأمريكية من اصطياده وقتله.

وحتى لا نقع في فخ المبالغة والسطحية في قراءة انتصار صادق خان علينا أن نتذكر أن المسلمين في أوروبا يواجهون تحديات بعضها ليست من صنع أيديهم، فالمشاعر المعادية للمسلمين لا يمكن تجاهلها وهناك حملات لشيطنتهم والنيل حتى من نبيهم عليه السلام. وهنا لا أبرر مطلقا ما يقوم به المتطرفون لكن علينا الاعتراف بوجود أزمة هوية عند البعض مما يجعلهم لقمة سائغة للفكر المتطرف. المشكلة أن بعض الكتّاب العرب قدموا انتصار صادق خان كدليل على غياب أجواء الإسلاموفوبيا وفي ذلك سذاجة واضحة أو ربما فرصة لبعضهم للهجوم على الإسلام السياسي لأسباب سياسية داخلية.

هنا لا بد من التوقف عند أمرين غاية في الأهمية، والمسألة الأولى تتعلق بالنموذج المطلوب، لا أعتقد أن هناك العديد من بين العرب والمسلمين من يريد أن يتحول المسلمون في الغرب إلى حصان طروادة لتقويض استقرار المجتمعات الغربية، فهذا أمر ضار لهم ولنا على حد سواء، لذلك أجد نفسي منحازا لنموذج صادق خان كمواطن إنجليزي مندمج في مجتمعه التعددي وأجد نفسي على النقيض من نموذج جون الإرهابي. وإذا ما قُدّر لعمدة لندن الجديد صادق خان أن ينجح في إدارة المدينة الأهم أوروبيا فإنه سيخلق الأمل لمسلمي أوروبا وسيضعف من رسالة المتطرفين الذين هاجروا إلى أوروبا ويريدون أن يفرضوا رؤيتهم على المجتمعات الغربية.

الأمر الآخر يتعلق بالوضع العامل في أغلب الدولة العربية وهنا نطرح السؤال التالي: ماذا لو كان صادق خان عربيا؟ هل هناك حقوق مواطنة تسمح لمهاجر مثلا بأن يتلقى تعليما حكوميا مجانيا وتسمح له بالاندماج وبالتالي الارتقاء بالسلّم الاجتماعي؟ أم أن المطاف سينتهي به في وظيفة أقل من عادية وربما تعليم أقل؟ أسوق هذه الأسئلة وأنا أستعرض حال المواطنين في أغلب الدول العربية ناهيك عن اللاجئين على سبيل المثال الذين يتم وضعهم في مخيمات وكأنهم مصابون بداء خطر يستلزم وضعهم في حجر صحي.

باختصار شديد، فاز صادق خان لأن النظام هناك يسمح لمهاجر بالاندماج، وفاز باراك أوباما مرتين لأن الدولة هناك هي دولة قانون ومؤسسات تعطي فرصا متساوية لجميع المواطنين دون اعتبار لجنسهم أو ديانتهم أو لونهم. وحتى لا نظلم أنفسنا أو نجلد ذاتنا علينا أيضا أن نتذكر بأن الدولة القومية لم تكتمل بعد وأن هناك أزمة هوية حادة في بعض المجتمعات إذ تتقدم الهويات الفرعية وتصبح مفاهيم مثل المواطنة والمساواة أدوات صراع لانتزاع حقوق أو لممارسة الهيمنة وليس لأغراض الممارسات الديمقراطية. وعلينا في هذه الحالة أن نوجه عنايتنا للتعليم لزرع قيم التعددية والمساواة والمواطنة حتى يكون في المستقبل جيل يمكن له أن يؤسس لمرحلة جديدة يكون عنوانها الدولة الحديثة والمدنية والديمقراطية.
 
تابعو الأردن 24 على google news