الحرب القادمة ضد الفلسطينيين
د. حسن البراري
جو 24 :
أحسب أن حربا قادمة ستشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين إذا استمرت المراوحة في العملية السياسية بصرف النظر عن هوية وزير الدفاع أو رئيس الحكومة الإسرائيلي، أقول هذا في سياق خطوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في التحالف مع خصمه المرير ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا، وما من شك أن تعيين افيجدور ليبرمان وزيرا للدفاع في إسرائيل خلفا لموشيه يعلون من نفس المنصب قبل أسبوع دق ناقوس الخطر بأن إسرائيل تنجرف مرة أخرى نحو اليمين المتطرف مما يعني أن فرص الحرب هي أكثر من فرص السلام.
إلا أن نظرة فاحصة تكشف أن هناك اعتبارات أهم بالنسبة لنتنياهو. وفي هذا السياق كتب المحلل السياسي الإسرائيلي يوسي فيرتر في صحيفة هآرتس أن التحالف بين نتنياهو وليبرمان هو تكتيكي وأن نتنياهو في النهاية هو سياسي براجماتي يرى بأن تحالفه مع ليبرمان يساعده في الانتخابات القادمة حتى يبقي على قاعدته السياسية في معسكر اليمين. فاعتبارات نتنياهو بهذا المعنى هي سياسية محضة ولا تعكس وجود حالة من الكيمياء بينهما إذ لا يحترمان بعضهما البعض، وحتى في المؤتمر الصحفي بدا ليبرمان وكأنه ذئب يأكله خروفا!
وحتى يخفف نتنياهو من هول تعيين ليبرمان وزيرا للدفاع قال في المؤتمر الصحفي إنه حتى بوجود ليبرمان فإن بلاده ستسعى إلى دفع عملية السلام قدما مع الفلسطينيين! وتأتي هذه التصريحات بعد التحفظ الذي أبدته إدارة الرئيس أوباما من تعيين ليبرمان، فنتنياهو يعرف تاريخ ليبرمان جيدا، فيكفي أنه مستوطن يسكن في الضفة الغربية ما يعني أنه بموقعه الجديد سيسعى إلى تسمين وتجذير الاستيطان مما يدق آخر مسمار في نعش حل الدولتين. وقبل أقل من أسبوعين كان قد صرح بأنه ينبغي أن يمنح إسماعيل هنية مهلة أربعا وعشرين ساعة لمغادرة غزة. ولا يقف تطرف ليبرمان عند الموقف من أراضي الضفة الغربية والقدس وإنما يصل حتى إلى عرب إسرائيل إذ صرح قبل مدة وجيزة بضرورة قطع رؤوس عرب إسرائيل إن لم يظهورا ولاءهم لدولة إسرائيل! واستمرارا لتطرفه ضد عرب إسرائيل طالب ليبرمان في غير مناسبة بإعادة رسم الخط الأخضر للتخلص من أكبر قدر ممكن من عرب إسرائيل.
والأمر ليس وكأننا لا نعرف كيف يفكر ليبرمان وما هي عقيدته المغلقة، لكن في الوقت ذاته علينا أن نقرأ المسألة في سياقها الصحيح، فوجود ليبرمان لا يعني الحرب، فالحرب كما أشرت أعلاه قادمة إن لم يتحقق السلام، ويكفي خطف جندي على سبيل المثال لإشعال حرب، وقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل إذ شنت إسرائيل تحت إيهود أولمرت وتحت نتنياهو حروبا ضد قطاع غزة، فالقضية ليست مرتبطة بهوية وزير الدفاع لأن المجتمع الإسرائيل يعج بالتطرف وانجرف لليمين في العقد والنصف الماضي بشكل غير مسبوق.
وبهذا المعنى فإن ليبرمان ليس سياسيا يمكن له أن يقود إسرائيل كيفما يرى، وحتى باتفاقية الاتئلاف مع نتنياهو استسلم ليبرمان لمطالب الأحزاب المتدينة إذ تعهد بتجنيد أعضاء حزبه لمعارضة أي مشروع يتعلق بالدين والدولة لا توافق عليه الأحزاب المتدنية! فلو كانت حكومة نتنياهو تستند إلى تحالف سلام لسلمنا بأن تعيين أحد المتطرفين في ثاني أهم منصب في دولة إسرائيل يعني شل قدرة الحكومة على المضي في عملية سلام، لكن هذا ليس هو واقع الحال.
العرب الذين عبروا عن خيبة أمل في تعيين ليبرمان يبدو أنهم لا يستوعبون حقيقة أن موازين القوى السائدة وبخاصة بعد فشل ثورات الربيع العربي تمنح إسرائيل الشعور بالقوة في التطرف وعدم دفع كلفة لقاء ذلك. وبدلا من رهن مستقبلهم على التطورات السياسية داخل مجتمع آخذ في الانجراف نحو اليمين وتحركه حالة من الكراهية ضد الآخر، على الطرف الفلسطيني التفكير مليا في وضع استراتيجية وطنية متوافق عليها والبدء فورا في مصالحة سياسية تعيد الوحدة السياسية للجسم السياسي الفلسطيني. أما استمرار حالة العداء وتقسيم الشعب الفلسطيني بهذا الشكل فمن شأنه أن يخفف عن كاهل إسرائيل عبء حتى تفسير تراجع فرص عملية السلام.
باختصار شديد، الحرب القادمة لن تكون بسبب ليبرمان فقط، فالرجل هو أحد مخرجات ديناميكية المجتمع الإسرائيلي التي دفعت بالمتطرفين إلى مفاصل صنع القرار في الدولة، وبالتالي على الجانب الفلسطيني رسم خياراتهم وفق هذا الواقع.