قراءة في المشهد الإنتخابي النيابي القادم
د. منيب محمد الزغول
جو 24 : في الوقت الذي ترفض فيه معظم الاحزاب والحراكات الشعبية المشاركة في الإنتخابات النيابية، عزمت الهيئة المستقلة المشرفة على الإنتخابات على المضي قدماً ومعها لأول مرة في تاريخ الأردن حكومتنا الرشيدة "لتساعدها" على تنفيذ العملية الإنتخابية وتسهيلها دون أن تتدخل في مجريات الأمور بشكل مباشر حسب مافهمنا من الحكومة نفسها ومن الهيئة على حد سواء.
هذا التضاد بين الموقفين، موقف المعارض الرافض للعملية الإنتخابية برمتها، وموقف المؤيد المصر على أن تجري هذه الإنتخابات في موعدها يدلل من حيث المبدأ على أن هناك خللاً ما في العملية الإنتخابية نفسها أو أن أحد الطرفين على خطأ، ولتوضيح هذا التضاد في المواقف لابد لنا من قراءة المشهد الإنتخابي كما يتبدى لنا على أرض الواقع دون أن نغفل الجوانب القانونية والإجرائية والتاريخية لهذا المشهد.
المشهد الإنتخابي كما نراه حتى يومنا هذا، ونعتقد أنه سيستمر حتى يوم الإنتخابات، يبين بما لايدع أي مجال للشك أن مكمن الخطأ الرئيس مصدره حكوماتنا الرشيدة المتعاقبة التي كانت ومازالت تتمترس خلف ستار حديدي ولم تترك فيه مجالاً إلا لمخالفتها وخلق فريق كبير من الرافضين المعارضين لتوجهاتها المتعلقة بقانون الإنتخابات التي ماكان لها أصلاً أن تتبناه وتقدمه لمجلس النواب السابق الذي أجمع كل المراقبين على أنه الإبن الغير شرعي لها، وهذا الأمر بطبيعة الحال لايبعث على التفاؤل إطلاقاً، لأن مابني على قانون باطل فإن نتائجه حكما سوف تكون باطلة، وعليه فإنه يصبح من الحتمي أن تجد من يعارض ويرفض هذا الباطل وأن يشك بعدها بحسن نية ومصداقية أصحاب الطموح الذي يعتمد مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
المتابع للعملية الإنتخابية النيابية منذ عام 1989 م يلاحظ دون أدنى عناء أن العملية الإنتخابية كانت تقوم على مبدأ الإقصاء لكل من يعارض توجهات الحكومة، وهذا الإقصاء لم يستثني الأفراد أو الأحزاب، والأمثلة الشاهدة على ذلك كثيرة وكلها مازالت حاضرة في أذهان الجميع، وإلى يومنا هذا فإن الأمر لم يتغير كثيراً، بل وكان ملحوظاً أن الحكومات الأربعة السابقة لاتملك رؤيا واضحة بشأن قانون الإنتخابات الأمثل أو أنها تملك هذه الرؤيا ولاتريد أن تتبناها لأنها تتعارض مع سياسة الإقصاء ومركزية قرارها وتغولها على كل السلطات.
وعلىه، فإنه وعلى مر العقدين الماضيين أو يزيد قليلاً، خلقت البيئة المناسبة والخصبة لعدم الرضى عن الإنفراد المطلق في القرار من قبل الحكومة والناتج بطبيعة الحال عن إفراز مجالس نيابية ضعيفة غير قادرة على أداء الأدوار الموكلة إليها بشكل مستقل عن تغول السلطة التنفيذية، وهذه العلامة بلاشك كانت كل يوم توحي بأن القادم قاتم، وكلما مرت الأيام ترسخت القناعة بأن الحاضر والقادم لا ولن يختلف كثيراً عما مضى إلى أن وصلنا إلى المرحلة التي أصبح الكثير منا يعتقد فيها بأن نتائج الإنتخابات القادمة قد تكون أخطر بكثير مما نتصور نظراً لتراكمات الماضي وتعقيدات المرحلة التي نعيشها بمافي ذلك التعقيدات المتعلقة بالقانون الإنتخابي والإصلاحات الشاملة التي لم يلمس منها المواطن الشئ المؤثر إيجابا على حياته.
قانون الإنتخاب، وعلى الرغم من أنه لايعني كل الإصلاح، إلا أنه يبقى أحد أهم مفاتيح الإصلاح التي يجب أن تسير جنباً إلى جنب وصولاً للإصلاح المنشود، غير أنه ولقناعة الحكومة بأن الإنتخابات النيابية القادمة هي مايجب أن نبني عليها إن نحن أردنا إصلاحاً شاملاً نقول: إن هناك الكثير من الأسئلة التي يمكن أن تتبادر لإذهان الكثيرين في هذا الشأن، ومن هذه الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر تلك التي تتعلق بطبيعة التقسيمات للدوائر على أسس الكوتا العشائرية، أقليات الأصول، وأقليات الديانة والجنس، هذا بالإضافة إلى القائمة الوطنية التي كانت أخر صيحات الحكومة في عملية التعنت واستغباء الناخبين وكأنها تقول إن نائب القائمة الوطنية سوف يؤدي واجبات تختلف في طبيعتها عن تلك التي سيؤديها نائب الدائرة أو أنه سوف يكون نائبا أفضل من نائب الدائرة.
القائمة الوطنية، هذا الإختراع العجيب الذي لم نفهم المسوغ الحقيقي له بعد، وضع المواطن الناخب في حيرة من أمره، فهي أولاً قائمة ليس لها نصيب حتى من إسمها، ذلك أنها لاتمثل أكثر من ربع عدد الأعضاء المفترض أنهم سيكونون نواباً في المستقبل القريب، وبالتالي فهي قائمة لاتمثل ولاتشمل كل الوطن بقدر ماسيمثل نوابها الوطن بعدد محدد أصبحت بوادر المناطقية تظهر على ناخيبهم من خلال المطالبات المتكررة حول ضرورة أن تشمل القائمة الوطنية على مرشحين من المحافظة المركزية لهم إن هم أرادو أن ينتخبو مرشحي هذه القائمة أو تلك، ومن هذه الزاوية نستطيع القول أن القائمة الوطنية لاتعدو ولن تكون أكثر من صورة مكبرة للعشائرية والمناطقية التي يمارسها الناخب على مستوى دوائر المحافظات في ظل نفس القانون السابق، وفي المحصلة سيكونون نواب دوائر مركزية شئنا أم أبينا، وهذا تغول ذكي وصارخ من قبل الحكومة على الناخبين وعلى المجلس النيابي القادم.
أما فيما يتعلق بالداوئر الإنتخابية على مستوى المحافظات فالحال لايختلف كثيراً عما مضى، فالخلل فيها مازال هو نفس الخلل، حيث بدأ المرشحين بطرح أنفسهم دون علم فيما إذا كانت الدوائر الفرعية مغلقة أم وهمية، وعليه فإن التزوير والتلاعب بالأصوات سوف يكون على أشده ولن تستطيع الهيئة المستقلة منع ذلك بأي شكل من الأشكال، والأمر كذلك لن يخلو من عدم الإنصاف في عدد الأصوات التي سيحصل عليها المرشح الذي سيصل إلى قبة البرلمان لأن الدوائر الفرعية المفتوحة تعطي المجال لصاحب الأصوات الأقل بأن يصل إلى البرلمان كما حصل في الكثير من المحافظات المختلفة في الانتخابات السابقة، ومما يزيد الطين بلة هو أن الناخب في الدوائر متعددة النواب لايملك إلا صوتا واحداً وهو صوت ذاهب على الأغلب إلى مرشح العشيرة بغض النظر عن كفاءته من عدمها، وهذا الأمر من الضرورة بمكان أن ينتج عنه نواباً على شاكلة نواب (111 ) لأن الناخب أصلاً كان يقف أمام معضلة أن يوصل إلى المجلس أكثر من مرشح ولكن بصوت واحد في دائرة مفتوحة من كل الجهات وعلى الإحتمالات.
البطاقة الإنتخابية بدورها تمثل أرقى صور الخلل والتخلف في دولة يفترض أنها تسعى إلى ترسيخ أسس العمل المؤسسي المعاصر القابل لتطوير نفسه ووضع كل شخصية عامة أو اعتبارية أو عادية في مكانها المناسب، ولا نظن أن هناك ماهو أنسب من أن يكون الجميع "تحت مظلة القانون" بالتساوي، وبالتالي "محاسبة" الجميع ودون استثناء بناءاً على نفس المعايير والأسس القانونية، والسؤال هنا هو كيف لمرشح حالي بدأ بالفعل عملية شراء البطاقات أن يحاسب أي عضو في الحكومة البرلمانية المفترضة مستقبلاً، والأهم من كل هذا هو التالي: كيف للهيئة المستقلة للإنتخابات أن تضبط عملية شراء هذه البطاقات التي تجري فعلاً على قدم وساق عن طريق مايسمى بالمال السياسي الملوث؟؟؟.
الإشكالية الكبرى والتي أفقدت المواطن ثقته بكل الحكومات تتعلق (بعدم قناعة) الحكومة بقانون الإنتخاب الحالي كجزء من عملية الإصلاح، فبالإضافة إلى الرؤساء الأربعة السابقين، كانت ذروة عدم الرضى جلية واضحة ولا لبس فيها من خلال تصريحات أخر الرؤساء د. عبدالله النسور الذي عارض القانون خلال نيابته وتبنى تطبيقه كرئيس للحكومة مؤكداً على أنه لابديل عن تطبيق هذا القانون وأنه لامجال لأي تعديل عليه معللاً ذلك بأن شامير قد عارض عملية السلام وطبقها وهو يعارض قانون الإنتخابات غير أنه سوف يطبقه، الأمر الذي يجعلنا جميعاً نسأل سؤالاً نعتقد أنه وجيهاً: مادام هذا القانون لايلقى الرضى من طرفكم ولايلبي طموحكم ياأصحاب الدولة، فلما تراهنون على المستقبل المجهول وتهدرون كل هذا الوقت؟. أليس في هذا مخاطرة كبيرة يادولة الرؤساء؟. ألا تعتقدون أن فرص النجاح والفشل قد تكون متساوية رغم أننا نرى أن فشل الإنتخابات حقيقة ماثلة أمامنا؟. والسؤال الأهم: مادام كل منكم غير راض عن قانون الإنتخابات فلما تعيبون على من يريد أن يقاطع الإنتخابات مقاطعته؟؟؟. أليست المقاطعة واجب وطني في ظل إعترافاتكم الحمقاء؟؟؟.
أما المرشحين وحتى يومنا هذا فهم ينقسمون إلى ثلاثة فئات أوتيارات إن صح التعبير، وكل فئة رغم اختلاف التوجهات والمصالح فيما بينها إلا أنها تخوض الإنتخابات تحت نفس الغطاء ألا وهو غطاء "الفزعة للوطن" أو هكذا يظهر لنا نحن عامة الشعب، وهذه الفزعة بشكلها الحالي والتي روجت لها الحكومة والكثير من المستفيدين وأصحاب المطامع لن تفيد الوطن نهائياً، ولن تؤدي إلى النتائج المرجوة منها ومن الإصلاح الذي يفترض أن تكون نتائجه مختلفة تماماً عما كانت عليه الأمور في الحقب الماضية وحتى يومنا هذا.
لكل هذا، ولكل التسويفات، ولكل عمليات التصبير التي تظهر علينا من خلال بعض الشخصيات العامة بين الحين والأخر ومفادها أن نرضى بما هو موجود بشكل حضاري، ونبني عليه مستقبلاً، وأن نعدل مايحتاج إلى تعديل لاحقاً، فإننا نرى أن الصورة قاتمة وقاتمة جداً، إذ أن الأمر الطبيعي والذي يجب أن يحصل في ظل عدم الرضى والتسويف والتصبير من قبل الحكومة نفسها وأعوانها هو أن يتم إختصار المسافات والدخول مباشرة في جوهر الإصلاح " الصادق" الحقيقي، لأننا لسنا في معركة يكون الرابح فيها هو من يستطيع أن يكسر ذراع الأخر أولاً، وعكس ذلك فإن عودة نفس الوجوه القديمة أو أغلبها إلى قبة البرلمان وربما إلى السلطة التنفيذية يصبح، وقد أصبح، أمرا واقعاً وتحصيل حاصل ولايحتاج الأمر منا إلا أن ننظر في الشريحة الأولية التي ظهرت خلال الأيام الأولى بعد الإعلان عن موعد الإنتخابات، حيث كان أول هذه التيارات هو تيار الأحزاب الوطنية النخبوية التي لاتعترف إلا بالنخب ومعظم أعضاءها كانوا أصلاً نواباً ووزراء سابقين، وثانيها كان تيار الشخصيات النخبوية وصاحبة رأس المال السياسي الذي سيفقد العملية الإنتخابية كل مصداقيتها لأن مثل هؤلاء لن يقبلو بالمنافسة العادلة ولن يرضى اي منهم إلا بشراء الذمم لأنهم لايستطيعون الوصول إلى البرلمان إلا من خلال هذه الوسيلة الرخيصة، أما ثالثها فهو تيار العشائر، وهذا التيار فيه الغث والسمين ويحكمه غالباً معيار ذوي القربى في الإختيار بغض النظر عن كفاءته مقابل أقرانه المرشحين في نفس الدائرة الإنتخابية.
ورغم كل هذا فإن عودة كل الوجوه السابقة أو أغلبها ليس هو المشكلة بحد ذاتها، و بحده الأدنى لن تكون كذلك إذا ماتمت مراعاة أن يكون القانون الإنتخابي منصفاً وعادلاً ويساوي بين كل الأردنيين من حيث هم أردنيين بعيداً عن نظام الكوتا لأي فئة كانت، ويبقى القول، إن الجميع له الحق في الترشيح والإنتخاب أو عدمه بغض النظر عن أي التيارات التي ينتمي إليها، وأن أمر الدعوة للإنتخابات النيابية من عدمها، أو المشاركة فيها أو مقاطعهتا، هو أمر خاضع لمعيار الحرية الفردية الشخصية أو حتى الحزبية والعشائرية ولايجوز وضعها بأي حال من الأحوال في إطار التخوين، فعندما يكفل الدستور والقانون الحق في الدعوة للمشاركة في الإنتخابات، فإنه حكماً يعطي نفس الحق إلى من يدعو إلى مقاطعتها من باب المساواة بين جميع المواطنين، وإذا كان هناك من يرغب في تغليب لغة التخوين فليبدأ من عندي لأنني قد قاطعت هذه الإنتخابات حرصاً مني على الوطن الذي أراه يسير نحو المجهول في ظل الإصرار والتعنت السلبي من قبل كل الحكومات المتعاقبة بمافيها الحكومة الحالية التي بدلت ثوبها، ومحبة وتقديراً لقائد الوطن الذي لايختلف أي من الأردنيين على محبته أو رغبتهم بأن يكون عرشه الهاشمي الذي يجمعهم كعائلة واحدة بعيداً عن أية مخاطر.
هذا التضاد بين الموقفين، موقف المعارض الرافض للعملية الإنتخابية برمتها، وموقف المؤيد المصر على أن تجري هذه الإنتخابات في موعدها يدلل من حيث المبدأ على أن هناك خللاً ما في العملية الإنتخابية نفسها أو أن أحد الطرفين على خطأ، ولتوضيح هذا التضاد في المواقف لابد لنا من قراءة المشهد الإنتخابي كما يتبدى لنا على أرض الواقع دون أن نغفل الجوانب القانونية والإجرائية والتاريخية لهذا المشهد.
المشهد الإنتخابي كما نراه حتى يومنا هذا، ونعتقد أنه سيستمر حتى يوم الإنتخابات، يبين بما لايدع أي مجال للشك أن مكمن الخطأ الرئيس مصدره حكوماتنا الرشيدة المتعاقبة التي كانت ومازالت تتمترس خلف ستار حديدي ولم تترك فيه مجالاً إلا لمخالفتها وخلق فريق كبير من الرافضين المعارضين لتوجهاتها المتعلقة بقانون الإنتخابات التي ماكان لها أصلاً أن تتبناه وتقدمه لمجلس النواب السابق الذي أجمع كل المراقبين على أنه الإبن الغير شرعي لها، وهذا الأمر بطبيعة الحال لايبعث على التفاؤل إطلاقاً، لأن مابني على قانون باطل فإن نتائجه حكما سوف تكون باطلة، وعليه فإنه يصبح من الحتمي أن تجد من يعارض ويرفض هذا الباطل وأن يشك بعدها بحسن نية ومصداقية أصحاب الطموح الذي يعتمد مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
المتابع للعملية الإنتخابية النيابية منذ عام 1989 م يلاحظ دون أدنى عناء أن العملية الإنتخابية كانت تقوم على مبدأ الإقصاء لكل من يعارض توجهات الحكومة، وهذا الإقصاء لم يستثني الأفراد أو الأحزاب، والأمثلة الشاهدة على ذلك كثيرة وكلها مازالت حاضرة في أذهان الجميع، وإلى يومنا هذا فإن الأمر لم يتغير كثيراً، بل وكان ملحوظاً أن الحكومات الأربعة السابقة لاتملك رؤيا واضحة بشأن قانون الإنتخابات الأمثل أو أنها تملك هذه الرؤيا ولاتريد أن تتبناها لأنها تتعارض مع سياسة الإقصاء ومركزية قرارها وتغولها على كل السلطات.
وعلىه، فإنه وعلى مر العقدين الماضيين أو يزيد قليلاً، خلقت البيئة المناسبة والخصبة لعدم الرضى عن الإنفراد المطلق في القرار من قبل الحكومة والناتج بطبيعة الحال عن إفراز مجالس نيابية ضعيفة غير قادرة على أداء الأدوار الموكلة إليها بشكل مستقل عن تغول السلطة التنفيذية، وهذه العلامة بلاشك كانت كل يوم توحي بأن القادم قاتم، وكلما مرت الأيام ترسخت القناعة بأن الحاضر والقادم لا ولن يختلف كثيراً عما مضى إلى أن وصلنا إلى المرحلة التي أصبح الكثير منا يعتقد فيها بأن نتائج الإنتخابات القادمة قد تكون أخطر بكثير مما نتصور نظراً لتراكمات الماضي وتعقيدات المرحلة التي نعيشها بمافي ذلك التعقيدات المتعلقة بالقانون الإنتخابي والإصلاحات الشاملة التي لم يلمس منها المواطن الشئ المؤثر إيجابا على حياته.
قانون الإنتخاب، وعلى الرغم من أنه لايعني كل الإصلاح، إلا أنه يبقى أحد أهم مفاتيح الإصلاح التي يجب أن تسير جنباً إلى جنب وصولاً للإصلاح المنشود، غير أنه ولقناعة الحكومة بأن الإنتخابات النيابية القادمة هي مايجب أن نبني عليها إن نحن أردنا إصلاحاً شاملاً نقول: إن هناك الكثير من الأسئلة التي يمكن أن تتبادر لإذهان الكثيرين في هذا الشأن، ومن هذه الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر تلك التي تتعلق بطبيعة التقسيمات للدوائر على أسس الكوتا العشائرية، أقليات الأصول، وأقليات الديانة والجنس، هذا بالإضافة إلى القائمة الوطنية التي كانت أخر صيحات الحكومة في عملية التعنت واستغباء الناخبين وكأنها تقول إن نائب القائمة الوطنية سوف يؤدي واجبات تختلف في طبيعتها عن تلك التي سيؤديها نائب الدائرة أو أنه سوف يكون نائبا أفضل من نائب الدائرة.
القائمة الوطنية، هذا الإختراع العجيب الذي لم نفهم المسوغ الحقيقي له بعد، وضع المواطن الناخب في حيرة من أمره، فهي أولاً قائمة ليس لها نصيب حتى من إسمها، ذلك أنها لاتمثل أكثر من ربع عدد الأعضاء المفترض أنهم سيكونون نواباً في المستقبل القريب، وبالتالي فهي قائمة لاتمثل ولاتشمل كل الوطن بقدر ماسيمثل نوابها الوطن بعدد محدد أصبحت بوادر المناطقية تظهر على ناخيبهم من خلال المطالبات المتكررة حول ضرورة أن تشمل القائمة الوطنية على مرشحين من المحافظة المركزية لهم إن هم أرادو أن ينتخبو مرشحي هذه القائمة أو تلك، ومن هذه الزاوية نستطيع القول أن القائمة الوطنية لاتعدو ولن تكون أكثر من صورة مكبرة للعشائرية والمناطقية التي يمارسها الناخب على مستوى دوائر المحافظات في ظل نفس القانون السابق، وفي المحصلة سيكونون نواب دوائر مركزية شئنا أم أبينا، وهذا تغول ذكي وصارخ من قبل الحكومة على الناخبين وعلى المجلس النيابي القادم.
أما فيما يتعلق بالداوئر الإنتخابية على مستوى المحافظات فالحال لايختلف كثيراً عما مضى، فالخلل فيها مازال هو نفس الخلل، حيث بدأ المرشحين بطرح أنفسهم دون علم فيما إذا كانت الدوائر الفرعية مغلقة أم وهمية، وعليه فإن التزوير والتلاعب بالأصوات سوف يكون على أشده ولن تستطيع الهيئة المستقلة منع ذلك بأي شكل من الأشكال، والأمر كذلك لن يخلو من عدم الإنصاف في عدد الأصوات التي سيحصل عليها المرشح الذي سيصل إلى قبة البرلمان لأن الدوائر الفرعية المفتوحة تعطي المجال لصاحب الأصوات الأقل بأن يصل إلى البرلمان كما حصل في الكثير من المحافظات المختلفة في الانتخابات السابقة، ومما يزيد الطين بلة هو أن الناخب في الدوائر متعددة النواب لايملك إلا صوتا واحداً وهو صوت ذاهب على الأغلب إلى مرشح العشيرة بغض النظر عن كفاءته من عدمها، وهذا الأمر من الضرورة بمكان أن ينتج عنه نواباً على شاكلة نواب (111 ) لأن الناخب أصلاً كان يقف أمام معضلة أن يوصل إلى المجلس أكثر من مرشح ولكن بصوت واحد في دائرة مفتوحة من كل الجهات وعلى الإحتمالات.
البطاقة الإنتخابية بدورها تمثل أرقى صور الخلل والتخلف في دولة يفترض أنها تسعى إلى ترسيخ أسس العمل المؤسسي المعاصر القابل لتطوير نفسه ووضع كل شخصية عامة أو اعتبارية أو عادية في مكانها المناسب، ولا نظن أن هناك ماهو أنسب من أن يكون الجميع "تحت مظلة القانون" بالتساوي، وبالتالي "محاسبة" الجميع ودون استثناء بناءاً على نفس المعايير والأسس القانونية، والسؤال هنا هو كيف لمرشح حالي بدأ بالفعل عملية شراء البطاقات أن يحاسب أي عضو في الحكومة البرلمانية المفترضة مستقبلاً، والأهم من كل هذا هو التالي: كيف للهيئة المستقلة للإنتخابات أن تضبط عملية شراء هذه البطاقات التي تجري فعلاً على قدم وساق عن طريق مايسمى بالمال السياسي الملوث؟؟؟.
الإشكالية الكبرى والتي أفقدت المواطن ثقته بكل الحكومات تتعلق (بعدم قناعة) الحكومة بقانون الإنتخاب الحالي كجزء من عملية الإصلاح، فبالإضافة إلى الرؤساء الأربعة السابقين، كانت ذروة عدم الرضى جلية واضحة ولا لبس فيها من خلال تصريحات أخر الرؤساء د. عبدالله النسور الذي عارض القانون خلال نيابته وتبنى تطبيقه كرئيس للحكومة مؤكداً على أنه لابديل عن تطبيق هذا القانون وأنه لامجال لأي تعديل عليه معللاً ذلك بأن شامير قد عارض عملية السلام وطبقها وهو يعارض قانون الإنتخابات غير أنه سوف يطبقه، الأمر الذي يجعلنا جميعاً نسأل سؤالاً نعتقد أنه وجيهاً: مادام هذا القانون لايلقى الرضى من طرفكم ولايلبي طموحكم ياأصحاب الدولة، فلما تراهنون على المستقبل المجهول وتهدرون كل هذا الوقت؟. أليس في هذا مخاطرة كبيرة يادولة الرؤساء؟. ألا تعتقدون أن فرص النجاح والفشل قد تكون متساوية رغم أننا نرى أن فشل الإنتخابات حقيقة ماثلة أمامنا؟. والسؤال الأهم: مادام كل منكم غير راض عن قانون الإنتخابات فلما تعيبون على من يريد أن يقاطع الإنتخابات مقاطعته؟؟؟. أليست المقاطعة واجب وطني في ظل إعترافاتكم الحمقاء؟؟؟.
أما المرشحين وحتى يومنا هذا فهم ينقسمون إلى ثلاثة فئات أوتيارات إن صح التعبير، وكل فئة رغم اختلاف التوجهات والمصالح فيما بينها إلا أنها تخوض الإنتخابات تحت نفس الغطاء ألا وهو غطاء "الفزعة للوطن" أو هكذا يظهر لنا نحن عامة الشعب، وهذه الفزعة بشكلها الحالي والتي روجت لها الحكومة والكثير من المستفيدين وأصحاب المطامع لن تفيد الوطن نهائياً، ولن تؤدي إلى النتائج المرجوة منها ومن الإصلاح الذي يفترض أن تكون نتائجه مختلفة تماماً عما كانت عليه الأمور في الحقب الماضية وحتى يومنا هذا.
لكل هذا، ولكل التسويفات، ولكل عمليات التصبير التي تظهر علينا من خلال بعض الشخصيات العامة بين الحين والأخر ومفادها أن نرضى بما هو موجود بشكل حضاري، ونبني عليه مستقبلاً، وأن نعدل مايحتاج إلى تعديل لاحقاً، فإننا نرى أن الصورة قاتمة وقاتمة جداً، إذ أن الأمر الطبيعي والذي يجب أن يحصل في ظل عدم الرضى والتسويف والتصبير من قبل الحكومة نفسها وأعوانها هو أن يتم إختصار المسافات والدخول مباشرة في جوهر الإصلاح " الصادق" الحقيقي، لأننا لسنا في معركة يكون الرابح فيها هو من يستطيع أن يكسر ذراع الأخر أولاً، وعكس ذلك فإن عودة نفس الوجوه القديمة أو أغلبها إلى قبة البرلمان وربما إلى السلطة التنفيذية يصبح، وقد أصبح، أمرا واقعاً وتحصيل حاصل ولايحتاج الأمر منا إلا أن ننظر في الشريحة الأولية التي ظهرت خلال الأيام الأولى بعد الإعلان عن موعد الإنتخابات، حيث كان أول هذه التيارات هو تيار الأحزاب الوطنية النخبوية التي لاتعترف إلا بالنخب ومعظم أعضاءها كانوا أصلاً نواباً ووزراء سابقين، وثانيها كان تيار الشخصيات النخبوية وصاحبة رأس المال السياسي الذي سيفقد العملية الإنتخابية كل مصداقيتها لأن مثل هؤلاء لن يقبلو بالمنافسة العادلة ولن يرضى اي منهم إلا بشراء الذمم لأنهم لايستطيعون الوصول إلى البرلمان إلا من خلال هذه الوسيلة الرخيصة، أما ثالثها فهو تيار العشائر، وهذا التيار فيه الغث والسمين ويحكمه غالباً معيار ذوي القربى في الإختيار بغض النظر عن كفاءته مقابل أقرانه المرشحين في نفس الدائرة الإنتخابية.
ورغم كل هذا فإن عودة كل الوجوه السابقة أو أغلبها ليس هو المشكلة بحد ذاتها، و بحده الأدنى لن تكون كذلك إذا ماتمت مراعاة أن يكون القانون الإنتخابي منصفاً وعادلاً ويساوي بين كل الأردنيين من حيث هم أردنيين بعيداً عن نظام الكوتا لأي فئة كانت، ويبقى القول، إن الجميع له الحق في الترشيح والإنتخاب أو عدمه بغض النظر عن أي التيارات التي ينتمي إليها، وأن أمر الدعوة للإنتخابات النيابية من عدمها، أو المشاركة فيها أو مقاطعهتا، هو أمر خاضع لمعيار الحرية الفردية الشخصية أو حتى الحزبية والعشائرية ولايجوز وضعها بأي حال من الأحوال في إطار التخوين، فعندما يكفل الدستور والقانون الحق في الدعوة للمشاركة في الإنتخابات، فإنه حكماً يعطي نفس الحق إلى من يدعو إلى مقاطعتها من باب المساواة بين جميع المواطنين، وإذا كان هناك من يرغب في تغليب لغة التخوين فليبدأ من عندي لأنني قد قاطعت هذه الإنتخابات حرصاً مني على الوطن الذي أراه يسير نحو المجهول في ظل الإصرار والتعنت السلبي من قبل كل الحكومات المتعاقبة بمافيها الحكومة الحالية التي بدلت ثوبها، ومحبة وتقديراً لقائد الوطن الذي لايختلف أي من الأردنيين على محبته أو رغبتهم بأن يكون عرشه الهاشمي الذي يجمعهم كعائلة واحدة بعيداً عن أية مخاطر.