2024-11-26 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

اصلاح النظام الأردني: سباحة بعكس التيار....

د. منيب محمد الزغول
جو 24 :

لم أكن يوماً من الأيام بحاجة إلى أو مجبراً على مدح أي إنسان بما فيه أو بما ليس فيه، ولم أكن يوماً من الأيام مداحاً على أبواب علية القوم من السلاطين والملوك ورؤساء الحكومات أوغيرهم، ولم ولن أكون يوماً من الأيام ممن يتسابقون على قول الباطل أو النفاق بين يدي الملوك أو غيرهم. وإن قدر لي أن أقف بين يدي جلالة الملك فلن أتحدث إلا عن واقع الحال كما هو، بذات اللسان الذي تعود على قول الحق، ولكن بكل الأدب عند الوقوف بين يدي الملوك.


قبل أكثر من عام وقبل بدء الحراكات، كنت قد كتبت مقالين منفصلين. الأول كان حول الرسالة التي بعث بها السيد ليث شبيلات إلى جلالة الملك وكانت بعنوان لم ينصح جلالة الملك إلا ليث. أما المقال الثاني فكانت توضيحاً لما كان ينادي به البعض وكانت تحت عنوان الملكية الدستورية: خيار يحدده الملك فقط، وقد قلت في المقال الأول حول ماقدم السيد شبيلات في فحوى رسالته للملك : إن مثل هذا الحديث هو المنطق بعينه، ولا يستطيع أن يقوله على العلن إلا رجلاً أحب الوطن حباً حقيقياً، وأجزم أن ليث شبيلات يحب الملك بنفس القدر الذي يحب فيه الوطن، ولولا ذلك لما قدم النصح لجلالته، ولبقي معتزلاً بمنزله لا يضيره إن حل مكروها بالوطن وللوطن، منكفيا على نفسه وحال لسانه يقول أنا ومن بعدي الطوفان.


ثم قلت: لم يخطئ ليث شبيلات، فوالله لم ينصح جلالته أحداً كما فعل ليث شبيلات. ووالله لم يهتم صادقاً مخلصا لأمر الأردن والعرش والملك والأردنيين أحداً من عامة الشعب كما فعل ويفعل ليث شبيلات. أما القول بأن الرسالة قد يفهم من مجملها على أنها إساءة للوطن وقائد الوطن، فإنه قول ساذج ولا يروج له إلا أولئك الذين أوهمو الشعب بأن الحديث بين يدي الملوك بوضوح ورجولة هو من المحرمات التي يجب عدم الخوض فيها، فكانت النتيجة أن أوصلونا وأوصلوا الوطن معنا إلى حافة الهاوية.


وفي المقال الثاني قلت: إن الملكية الدستورية التي ينادي بها كلاً من السيد ليث شبيلات والدكتور ارحيل الغرايبة (ومن خلفه جبهة العمل) رفاهية لا نقدر عليها في وطننا الغالي. وهي رفاهية عواقبها كارثية لأننا وبكل بساطة لا نملك مقومات الحكم من خلال هذا النوع من الملكية. فالأحزاب لدينا في جلها ضعيفة وليس لديها أية برامج عملية مقنعة، والقوي منها "نسبياً" منقسم على نفسه وتدب الخلافات بين أعضائه ورموزه وصلت حد الخلاف الشخصي وتجاوزته إلى خلافات الأصول والمنابت.


ثم قلت: إن الإصلاح والتوسع في الإصلاح ليشمل كافة مناحي حياتنا، أمر لايختلف عليه عاقلين، وهو اصلاح يجب أن يكون محل حوار وطني موسع يشمل كافة التيارات السياسية والأطياف الإجتماعية والنقابية، غير أن سقف هذا الإصلاح ومدى الإستقلال في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، شأن يحدده جلالة الملك ولا أحد غير جلالته، فنحن قوم أهل بيعة لا نعيد يداً كنا قد مددناها لجلالته في السراء حتى نتنكر له وللوطن عند أول أزمة تمر علينا...


قبل حوالي العام أو يزيد قليلاً، جاءت مبادرة الإصلاح من جلالة الملك نفسه، وتم تعديل أكثر من أربعين مادة في الدستور بعد حوار شارك فيه من شارك وقاطع من قاطع، ورغم اصرار جلالته على أن يكون الإصلاح شاملا وحقيقياً، إلا أنه ولغاية اللحظة لم نجد على أرض الواقع ما يجعل من ليث شبيلات، وأحمد عبيدات، ورموز الجبهة وكافة الحراكات الوطنية السلمية "والتي كنا ومازلنا ندعوها أن تضع الوطن (وهي بلا شك تضع) نصب أعينها وتجعل من الحوار الوسيلة الأساسية للخروج من هذه الأزمة" يعدلون عن نصحهم ومطالبهم فيما يتعلق بإصلاح النظام وصولاً إلى الملكية الدستورية أو بحده الأدنى العمل بما نص عليه الدستور من أن نظام الحكم هو نظام نيابي ملكي وراثي، والسبب في ذلك بلا شك يعود إلى أنه حقاً لم يحصل شيئاً مهماً منذ مبادرة جلالة الملك بل على العكس من ذلك فإن الأمور أصبحت تسير من سيْ إلى أسوأ.


وعودة إلى مانص عليه الدستور، وعودة إلى ماكان ومازال يأمله الشارع الأردني من اصلاح حقيقي، فإن الجزئية التي تتعلق بنظام الحكم النيابي قد غيبت تماما عندما وضع الأمر بيد مجلس النواب الذي جاء أغلب نوابه بإرادة حكومية أمنية بحته فأصبحت الأمور تسير من الأسوأ إلى المجهول وبوادر ذلك تلوح في الأفق ولعل أهمها مقاطعة غالبية التيارات الحراكية والحزبية للإنتخابات النيابية انتخابا وتريشحاً ذلك قانون الإنتخابات الجديد الذي تمت المصادقة عليه من مجلس خداج مريض بل وغير شرعي والذي أيضاً يصر دولة فايز الطروانه على أنه ليس تحجيماً لأي أحد أو إرضاءاً لأي فئة على حساب أي فئة كان قانوناً ضعيفاً، هزيلاً، خداجا، وربما سيكتب له الموت عما قريب لأن ولادته كانت من أم مريضة وولادة الأم بالأصل كانت غير شرعية.


المتابع للأحداث يلاحظ دون أدنى عناء أن هناك عاملين مهمين كانا السبب الرئيس وراء مبادرة الملك الإصلاحية، الأولى تتمثل بكل التغيرات التي حصلت في دول الجوار وما تبعها من تأثير على حركة وحراك الشارع الأردني المتعطش للحرية والكرامة والعدالة، والثانية تتمثل برغية الملك الحقيقية بالاصلاح الحقيقي، وعليه فإن الإصلاح الحقيقي كا نرى لن يتم بين ليلة وضحاها، ولن يتم بمحاسبة الفاسدين السابقين والحاليين، وإنما يتم من خلال وضع الأسس السليمة لهذا الإصلاح ولعل أهمها قانوناً للإنتخابات يؤدي إلى ترسيخ وقيام دولة القانون والمؤساسات من خلال حكومة برلمانية شعبية تكون قادرة على إدارة كافة الإزمات التي يمر بها الوطن حاليا، وعلى رأسها محاسبة كل من تسول له نفسه بالتطاول على أمن ومقدرات الوطن والمواطن.


وفي هذه الايام العصيبة، وبعد تمرير قانون الإنتخابات الذي لا يحوي بين طياته إلا على "الكوتات" نقول: إن المتتبع للتغيرات الداخلية والخارجية خلال العامين الماضيين ورغم أن جلالته قد بدأ بمسيرة الإصلاح الجذري والشامل، إلا أن هناك قوى ومافيات مازالت تصر على أن يبقى الوطن على حاله حفاظاً على مكتسباتها من خلال اللعب على ورقة المواطنة والأحزاب وأصولها ومرجعيتها حيناً، وعلى ورقة العشائر والمنابت والأصول حينا أخر، وعليه فإن على جلالته أن يلغي كل هذا القانون، ويأمر بصياغة قانون عصري بحجم الوطن وكفاءة أبناءه، لأن المشكلة ليست بعدد المقاعد النيابية، وبكل تأكيد ليست بعدد النواب وموعد إجراء الإنتخابات قبل نهاية هذا العام كما وعدنا جلالة الملك.


المشكلة الحقيقية هي في كيفية توزيع هذه المقاعد على دوائر المملكة المختلفة، وقانون الصوت الواحد لو تم وضعه في إطاره الصحيح لما أعترض عليه أحد فأفضل الديمقراطيات في العالم تتبنى قانون الصوت الواحد، للدائرة المغلقة الواحدة، للناخب الواحد، وإذا مابقينا نضع قضية المنابت والأصول والعشائر والأقليات والكوتات عائقاً أمام امكانية وضع قانون انتخاب حقيقي يتساوى فيه كل الأردنيين، وبالتالي ترسيخ دولة القانون والمؤسسات العصرية، فإننا لن نتقدم خطوة واحدة للامام، وسوف نبقى نسبح بعكس التيار حتى نغرق جميعاً ويغرق معنا كل الوطن، ولكن الخوف كل الخوف حينها أن نغرق جميعاً في بحر لست أعلم أي الألوان سيكون عليها...............

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير