الملقي ورئيس حكومة الظلّ
جو 24 :
كتب تامر خرمه -
بعد إنجاز مهمّاته التي فرضتها المؤسّسات الماليّة الدوليّة، سلّم د. عبدالله النسور "أمانة" الدوّار الرابع إلى خلفه هاني الملقي، ليرث الأخير مقعد والده بعد 63 عاماً. ولكن هذا الإرث مشروط بالالتزام بما يحدّده قانون صندوق الاستثمار من سياسات ومهمّات، فهو ما استدعى الملقي إلى كرسيّ الرئاسة، بالتزامن مع بعثة صندوق النقد الدولي، لرسم ما اتّفق على تسميته بخطّة "الإصلاح الاقتصادي".
ليس سرّاً أن الحكومة الجديدة –الامتداد الطبيعي لحكومة النسور- هي حكومة اقتصاديّة بامتياز، فرضت على أجندتها مهمّات محدّدة بمصالح المستثمر الأجنبي. ولن يتفاجأ كثيرون باستمرار ذات النهج الذي سنّته حكومة علي أبو الراغب، وتطرّفت فيه الحكومة السابقة، رغم الرفض الشعبي. "الإصلاح الاقتصادي" هو عنوان المرحلة، وقد ينجح الملقي بدفع الناس إلى "الترحّم" على أيّام سلفه!
السرّ الوحيد يكمن في كيفيّة فهم دوائر صنع القرار لمصطلح "الإصلاح الاقتصادي"، فمنذ البدء بتطبيق السياسات "الإصلاحيّة" والعجز ينافس المديونيّة في تحطيم الأرقام القياسيّة. التسارع المرعب للتدهور الاقتصادي لم يقنع صنّاع القرار –للأسف- بفشل هذه المقاربة.
على أيّة حال، قانون صندوق الاستثمار يمكن اعتباره العامود الفقري للسياسات الرسميّة التي سنشهدها في قادمات الأيّام، فحكومة الملقي هي ذاتها مجلس إدارة الصندوق، وفقاً لهذا القانون الذي يمنح الحكومة، في الفقرة (ب) للمادّة 11 منه، الحقّ بتفويض نفسها لإدارة أملاك الخزينة والحراج، والتصرّف فيها كيفما تشاء.. ولكن، من سيكون صاحب السلطة التنفيذيّة الحقيقيّة في التصرّف بأموال الدولة؟
مدير صندوق الاستثمار يا عزيزي هو من سيتولّى –حسب المادّة 7- ب من هذا القانون- الإشراف على الجهاز التنفيذي وتنفيذ السياسات العامّة وإعداد الموازنة، بل وتوقيع الاتّفاقيّات التي ستبرمها الحكومة مع الشركات العربيّة والأجنبيّة في المستقبل القريب، أي أنّ الصلاحيّات التفصيليّة ستكون بيد المدير المنتظر، والذي ينبغي أن يكون مقرّباً من دوائر صنع القرار في الشقيقة الكبرى (السعوديّة)، فصندوق الاستثمار هو البديل الذي تمّ الاتّفاق عليه لصندوق الاستثمار الأردني- السعودي.
وبما أنّ الشيطان يكمن في التفاصيل، سيكون المدير المرتقب هو صانع القرار الاقتصادي، وعلى عاتقه تقع مسؤوليّة تنفيذ المشاريع الاقتصاديّة الكبرى، كمشروع الربط الكهربائي مع السعوديّة، ومشروع أنبوب نقل النفط الخام والمشتقّات النفطيّة، وأيّة مشاريع ضمن القطاعات النشطة، وفقاً للمادّة 4 من هذا القانون الذي جاء بالملقي ليوفّر لرئيس حكومة الظلّ (مدير الصندوق) سبل تعميق الفجوة الطبقيّة، والقضاء على آخر ما تبقّى من مظاهر العدالة الاجتماعيّة.
أخطر ما في الأمر أنّ الصناديق السياديّة ومؤسّسات الاستثمار العربيّة والأجنبيّة -دون استثناء- سيتاح لها إنشاء شركة أو عدّة شركات بأحكام خاصّة، يعني دون أن ينطبق عليها قانون الشركات والأوراق الماليّة، أو أيّ تشريع آخر، وفقاً للمادّة 8-ب من هذا القانون الذي تكرّرت في موادّه عبارة "على الرغم ممّا ورد في أيّ قانون أو تشريع آخر" عدّة مرّات.
ليس هذا فحسب، بل إن القانون، الذي ستستند إليه السياسات الاقتصاديّة لحكومة الملقي، يستثني الشركات العربيّة والأجنبيّة -بما فيها الشركات الاسرائيليّة- من قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حسب ما ورد في المادّة 14، كما تعفى الشركات -وفقاً للمادّة 11- من أيّة ضرائب أو جمارك أو استحقاقات ماليّة، حتّى أن أيّة قرارات أو تشريعات مستقبليّة لن تنطبق على أيّة جهة ترغب بالاستثمار وفقاً لهذا القانون، الذي لم ترد في بنوده ما يوحي بأن المجتمع الأردني سيجنى أيّة ثمار للاستثمارات المستقبليّة، فمثلا لم يورد القانون ما يلزم المستثمر الأجنبي بتشغيل أردنيّين.
أمّا المضحك المبكي في الأمر، فهو ما ورد في المادّة 13 من هذا القانون. تخيّل إنّه بموجب هذه المادّة يستطيع المستثمر الأجنبي استملاك أيّ عقار رغم إرادة المالك، الملزم ببيع عقاره بالسعر "العادل" الذي يحدّده الصندوق.
في نهاية الأمر، ستكون حكومة إدارة صندوق الاستثمار غرفة تجارة دوليّة، تحمي مصالح أعضاء نادي "البزنس" دون غيرهم، وتجهز على النفس المتبقّي لتدخّل الدولة بالسوق. إنّه "الانفتاح" الذي لا مفرّ منه! ولكن انفتاح على ماذا؟ هذا ما سيجيب عليه مدير الصندوق بعد اختياره رسميّاً.. وهو بالمناسبة من فصّل القانون المذكور على مقاس ناديه، ليكون هو وحده "صاحب الظلّ الطويل"!!