جبهة العمل الاسلامي والبقاء السياسي!
د. حسن البراري
جو 24 :
* قرار في سياق البقاء السياسي
* مشاركة بطعم الاعتذار
كتب د. حسن البراري -
وكأن حزب حبهة العمل الاسلامي استفاق من غفوة طويلة، فبعد سنوات من مقاطعة الانتخابات ترشيحا وانتخابا يقرر المشاركة في الانتخابات القادمة المزمع عقدها في العشرين من سبتمبر القادم، ولكن لم يأت القرار لأن الدولة استجابت لأي شرط من شروط الحزب التقليدية (قانون انتخابات عصري والغاء معاهدة وادي عربة) أو أن الدولة قدمت تنازلا واحدا للتيار المستهدف في جماعة الاخوان المسلمين غير المرخصة، بل لأن حزب جبهة العمل الإسلامي في موقف ضعيف، خاصّة بعد الحرب الرسميّة التي واجهها، ولأن ترك الحزب لسفينته عرضة لامواج عاتية سيضمن اغراقه وربما استبداله بشكل كامل. وهنا مربط الفرس، فالحزب يسعى فقط للبقاء السياسي لا أكثر ولا اقل.
لسنوات طويلة من الشد والجذب بين تيارات الحزب المختلفة في الاولويات والرؤية لحزب مغلق كان التشدد استراتيجية للابقاء على وحدة الحزب، فأي قرار بأي اتجاه كان سيعصف بالحزب، وبالتالي شأنه شأن أي تنظيم مغلق في العالم يميل الحزب إلى التشدد حتى يمنع الانشقاق، غير أن هذه المرة وبعد أن اتّخذ الحزب مواقف غير واقعية أثناء الربيع العربي واثبت تبعية مطلقة لجماعة الاخوان المسلمين، يمكن القول أن جيلا مختلفا عصف بوحدة الحركة بشكل عام ودفع الحزب – المعقل الوحيد للجماعة المستهدفة – رغما عنه للمشاركة في الانتخابات خشية من البديل. وهنا طبعا لا بد من الاشارة إلى الحزب الاسلامي الجديد الذي يقوده التيار البراغماتي من الاخوان وعلى رأسه مجموعة من أعضاء الاخوان البارزين (مثل سالم الفلاحات ونبيل الكوفحي) الذين يريدون الانخراط السياسي لكن في سياق وطني.
وبهذا المعنى فحزب جبهة العمل يدرك جيدا أن أوضاع الأردنيين هي اسوأ مما كان عليه الوضع عندما اندلع الربيع العربي، ويدرك الحزب أن قانون الانتخابات ليس عصريا وحتى الدستور تم اجراء تعديلات كثيرة علية معززا بذلك المركزية بدليل التعديلات الاخيرة. علاوة على ذلك، يدرك القاصي والداني أن الدولة العميقة في الأردن لم تعد تأبه بهم نتيجة فشل تجاربهم في الاقليم ولأنها تعرف هشاشة وضعهم الداخلي بل وتلاعبت بهم كيفما تشاء.
قرار الحزب جاء بعد أن تكشف للجميع أن هناك حدودا لقوة التنظيم، فالحكومات المتعاقبة تحرشت بجماعة الاخوان المسملين وسمحت بترخيص جماعة بديلة وسجنت زكي بن ارشيد بل وقامت باغلاق مقرهم الرئيسي بالشمع الاحمر، والحال أن جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسي جبهة العمل لم يتمكنا من حشد الشارع خلف مواقفهم، ويلاحظ المراقب أن قواعدهم الاجتماعية في الارياف وفي المدن لم تننفض لصالح الجناح المتشدد من الحركة بشكل عام، وبدا لافتا للمراقبين أن تشظي الحركة وانتقال خلافاتهم للعلن كان المسمار الأخير الذي دق وحدة التنظيم. في هذه الاجواء يقرر الحزب المشاركة وهي مشاركة بطعم الاعتذار وتهدف لابقاء الرأس فوق المياه ولمنع تبلور بديل اسلامي واقعي.
غير أن هذا لا يعني أن الحزب غير قادر على الفوز بعدد من المقاعد في الانتخابات القادمة، ولن نتفاجأ أن فاز بمقاعد أكبر من منافسيه الاسلاميين الآخرين، غير أن الزمن الذي كان فيه جبهة العمل الاسلامي يهيمن على الشارع الاسلاموي والادعاء بأنه ممثلهم الشرعي والوحيد قد ولى. وهنا نسجل أن الصراع بين الدولة والاخوان قد انتهى إلى الأول بالنقاط.