jo24_banner
jo24_banner

دراق آخر زمن

نضال السماحين
جو 24 : أَربع حبات من الدراق الأُولى صفرَاء فاقع لونها لَا تسر النّاظرين إذَا وضعتها في كَفّك انْزلقَت إلَى أَسفل سافلين كأَنّها حجارَة من سجيل وإذا أردت رفعها إلى فيك أبت واستكبرت وقالت معاذ الله أن أكون من الهالكين وإذا أطلقت سراحها تدحرجت على الأرض لها دبيب وطنين وبعد هذا حمدت الله رب العالمين أني لم أفغم منها فغمه ولم أقسم منها قسمه ولم أحاول أن التهمها في ضيِّ أو عتمه..!
ذكرتني هذه الدراقة الصفراء بذلك الولد الشقي البدين الذي كان يلتهم غصباً قوت الأولاد في المدرسة والويل كل الويل لمن يرفض له طلباً.. كان ينهال عليه ضرباً مستخدماً كف يده فقط ويا لها من يد ضربة واحدة منها تخسف بك الأرض, كلاهما الولد الشقي والدراقة الصفراء يشتركان في صفات ذميمة إذا حاولت أن تتذوق الدراقة هشمت قساوتها أسنانك وإذا أرد أحد التلاميذ أن يقاوم الشقي هشم الشقي أسنانه..
الدراقة الثانية صفراء تعلوها حمرة تجذبك إليها جذباً حين تمتزج الألوان وتتداخل تشكل لوحة فنية غاية في الجمال تجعلك حائراً بين متعة النظر إليها ومتعة تذوقها ولهذا كان لزاماً أن أمتلكها أداعبها أدللها أرحل بها إلى فضاء غير مسكون أغني لها أرقص كالمجنون أحتضنها بين بيدي كطفل حنون وعندما حانت لحظة التذوق انفجرت في فمي حامضة كالليمون..
الدراقة الثالثة حمراء نضرة ضاحكة مستبشرة هللت حين غادرت تلك الشجرة ما عادت برعما أو زهرة أو قاسية عجرة نضجت كبرت صارت ثمرة صارت كامرأة في العشرين تسافر وحدها تمشط شعرها تلبس أحلى الفساتين صارت أجمل دراقة وقبلة للأكلين تذلل بين يديها الأغنياء والفقراء والشعراء والمدراء.. تعالت على العالمين وبعد حين كل الدراق في الحاضنة نفق.. بقيت وحدها تندب حظها نضارة العشرين حلاوة العشرين زالت وسكنت وجنتيها التجاعيد ذبلت مدت يدها إلى سراب فعادت اليد تعانق غدر السنين..
الدراقة الرابعة لا بيضاء لا صفراء بل داكنة اللون سمراء لفحتها حرارة الشمس حين كانت أعلى الشجرة أقسمت على جارتها الورقة أن تخلي بينها وبين السماء تلامس النجوم تعانق الغيوم لهذا نضجت طاهرة عالية جداً فوق الأرض.. فوق كل الأشياء لا تعرف نميمة ولا شتيمة ولا طويلة ولا قصيرة ولا نحيفة ولا سمينة امتدت لها يد الغدر نالت منها سقطت على الأرض سال دمها لم تنجح عمليات التضميد والتزيين في إقناع الزبائن أنها سلعة طيبة الطعم والمذاق ليس ذنبها أن بشرتها سمراء ليس ذنبها أننا البشر حين نريد الشراء ننظر إلى الشكل وننسى جوهر الأشياء.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير