الأكلة تتداعى إلى قصعتها.. والأضعف أول من يؤكل
جو 24 :
محرر الشؤون السياسيّة- "قال عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي: حدثنا بشر بن بكر عن ابن جابر عن أبو عبد السلام عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ، قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء، كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت". أخرجه أبو داود في سننه، والروياني في مسنده.
حديث رسول الله (ص) الذي تناقله الرواة منذ أكثر من 1400 سنة، إبداع في وصف الواقع الذي تعيشه الأمّة اليوم. كلّ كلمة اختيرت بعناية فائقة، لتعبّر تماماً عن الحالة الراهنة. "الأكلة" يتداعون إلى "قصعة" المنطقة العربيّة، بكلّ نهم ووحشيّة، ينهشون لحم الملايين بمكائدهم ودسائسهم، وبنيران أسلحتهم العاشقة للدم العربي، المسفوك على هذه البقعة المنكوبة.
دون أدنى اعتبار لكرامة الحياة الإنسانيّة، ودون أيّ شعور بالخجل أو الذنب، يواصل ساسة "اليانكيز" وموسكو ولندن وباريس، وغيرها من دول اعتبرت نفسها وصيّة على كوكب الأرض، عبثهم وإجرامه في سوريّة والعراق. يتحدّثون عن الإرهاب في ذات الوقت الذي ينهشون فيه المنطقة، ويحصدون أرواح ملايين الأبرياء، بتجارة الحرب والموت التي يقترفونها، حتى أن قادتهم لا يتردّدون بالاعتراف بتدخّلاتهم العبثيّة!
بالأمس القريب اعترفت لندن بأن مبررات الحرب على العراق كانت كاذبة، وبأن حكاية "أسلحة الدمار الشامل" لم تكن سوى خديعة كبرى، تمت فبركتها بتقارير استخباراتية مضللة، وذلك برعاية واشراف رأس الحكومة البريطانية آنذاك توني بلير. بالعربي البسيط: "بكير" يا جزيرة الانجلو ساكسون. بعد تدمير العراق وإنهاء الجيش والدولة، أدركتم بشاعة فعلتكم، التي اقترفتموها مع قتلة الهنود الحمر، الذين يقتلون حتّى مواطنيهم فقط لاختلاف لون بشرتهم.
لندن لم تخجل من هذا الاعتراف، الذي ما كانت لتعلنه لولا وصول الإرهاب إلى القارّة العجوز. الإرهاب الذي صنعه الغرب عبر تدمير العراق والتدخّل السافر بالشأن السوري، يحصد أرواح آلاف العرب والمسلمين، ولكن العالم لا يهتزّ إلاّ عند موت أحد أصحاب الرقاب الحمراء. ترى: أولس ما تمارسونه هو الإرهاب المنظّم؟ من أين تأتي الأسلحة للإرهابيين؟ ومن الذي فتّت العراق؟ أولستم من تحشرون أنوفكم بالشأن السوري؟ ترى ماذا نتوقّع من دول ترهب مواطنيها السود وتقتلهم بالشوارع، عندما يتصل الأمر بنا؟!
كافّة الدول العاتية المتجبّرة، أوجدت لها قدماً في سوريّة والعراق، وشعب المنطقة هو من يدفع الثمن من دمه. يتعاملون مع ما يصفونه بـ "العالم الثالث" بكلّ استعلاء وازدراء، وكأنّهم هم "المتحضّرون". والأنكى أن بعض الناس من منطقتنا يهلهلون للرجل الأبيض على اعتبار أنّه أكثر "رقيّاً"!! لا يا سادة، فالجرائم التي اقترفها الغرب أكثر فداحة ممّا يمكن تخيّله، ولايزال هذا "العالم المتحضّر" يقتات على أشلاء أبناء الأمّة.
في السياسة لا توجد مبادئ، هنالك فقط تحالفات مرحليّة تحاك مؤقّتاً من أجل تحقيق مصالح محدّدة، لذا من البديهي أن يلتقي "الدب الروسي" مع "اليانكيز"، أو أن ترضخ باريس لشروط موسكو لفترة محدّدة، ولكن لكلّ من هذه الدول حصّتها من جثّة المنطقة، والتحالفات تتبدّل وتتقلّب وفقاً لكلّ مرحلة.. ولكن لن يكون أيّاً من الحلفاء شريكاً استراتيجيّاً، يمكن ضمان مصالحه أو حتّى وجوده إلى الأبد.. المنطقة تتمزّق، والأضعف سيكون أوّل من يؤكل على قصعة المكائد.