التمييز في الموت وعصر الانحطاط
جو 24 :
محرر الشؤون المحلية- كل يوم، أو ربّما كل ساعة، يحدث تفجير في سورية أو العراق، أو يقوم بجيش الاحتلال الاسرائيلي بقتل أحدهم في غزة أو بالضفة الغربية، فالموت يفرض سطوته على المنطقة، حتى بات جزء من حياة الناس اليوميّة.
الغريب أن ردود الأفعال تجاه دوامة الموت التي يغرق فيها الملايين، باتت تتسم بالبرود. مشهد الأشلاء المتناثرة، وجثامين الضحايا، لم تعد تتسبّب بصدمة لأحد. يمرّ القارئ على مثل هذه الأنباء وكأنّها أخبار طبيعية، أو بديهيّة يفترض أن تحفل بها الحياة اليوميّة.
ولكن ماذا يحدث عندما يرد نبأ حول تفجير ما، أو عمليّة إرهابيّة ينفّذها متطرّفون في الغرب؟ تقوم الدنيا ولا تقعد، وتبدأ حملات الإدانة والتباكي على الضحايا. مواقع التواصل الاجتماعي تغرق بالتعليقات المتعاطفة والغاضبة، وبالصور، وأعلام الدول التي تتعرّض للهجوم.
حتى أبناء المنطقة المنكوبة، ينسون جراحهم ويتهافتون على متابعة الأنباء والإعراب عن ردود أفعالهم المختلفة. مصاب جلل، يهزّ العالم برمّته كلّما نزلت قطرة دم من أحد أبناء "العالم الأوّل".
ترى، هل هنالك فرق بين دم ودم؟ أوليس كلّ الناس سواء، أو على الأقلّ هذا ما يرد في الخطب الإنشائيّة، متى أصبح الدم العربي ماء؟ وما هو مبرّر التعامل مع الموت بهذه المعايير المزدوجة؟
لقد هان علينا دمنا وحياتنا بل وكرامتنا. الشعور بالدونية فقط هو ما يمكنك أن تبرّر به التعاطف مع ضحايا الغرب، في ذات الوقت الذي تتّسم به ردود الأفعال تجاه ما تشهده المنطقة من مجازر، ببرود قاتل.
من الطبيعي أن تتعاطف مع أيّة ضحيّة، ولكن ازدواجيّة المواقف والمعايير مسألة تحرّض على القرف. الإرهاب لا يقتصر على جرائم العصابات المتشدّدة أو المنغلقة فكريّاً، والتي بالمناسبة أبدع اليمين الغربي في تفريخها، فإرهاب الدول أعتى وأكثر قبحاً.
طائرات روسيا وحلف الناتو تحصد أرواح الناس بمئات الآلاف بل وبالملايين في أكثر من بقعة على سطح هذا الكوكب، والغريب أن إرهاب الدول مبرّر، بل ويعتبره البعض طريقا لتحقيق "العدالة".
لا يخفى على أحد أن العالم "المتحضّر" يقيس الأمور بمعاييره المزدوجة، ووفقا للمصالح التي تحدّدها تجارة الحرب والموت، ولكن ما يثير الاشمئزاز أن كثيرا من أبناء جلدتنا باتوا يعتمدون على نفس هذه المعايير المقزّزة. عندما يصل الأمر إلى التمييز حتّى في الموت، يكون الانحطاط.