من عزل من؟!
د. حسن البراري
جو 24 : لا يخفى على المراقب أن حكومتي الطراونة والنسور حاولتا عزل حركة الاخوان المسلمين في الشارع من خلال حملة اعلامية شرسة استهدفت الحركة ومن خلال الاصرار العجيب على ثنائية لم تعد صالحة لتشخيص ديناميكية الحراك السياسي في الاردن وهي ثنائية الدولة والإسلاميين. وعلى نحو لافت، حاول رئيس الحكومة عبدالله النسور خلق انطباع بأن الحركة لا تحتج على سياسة رفع الدعم وانما توظف الاحتجاجات لتخريب الانتخابات القادمة. ولم تسعف النسور مثابرته في الظهور الاعلامي المكثف ولا فصاحته في عزل الإسلاميين لأسباب موضوعية هي:
أولا، التناقض المكشوف لمواقف وأقوال رئيس الحكومة، فلوقت قريب جدا كان عبدالله النسور من أشد المعارضين لبرنامح يبذل الآن جهدا كبيرا لتجميله وتسويقه للناس، فهو يعتقد أن المشكلة ليست في قرار رفع الدعم وانما في خطأ ارتكبه رئيس الحكومة الذي سبقه لأن الأخير لم ينجح في اطلاق حملة اعلامية لكسب عقول وقلوب الأردنيين، وهو الأمر الذي حاول ان يقوم به النسور نفسه. فالنسور يرى بأن قرار الحكومة السابق- وهو القرار الذي جمده الملك- كان صائبا واعتبر ان عدم القيام برفع الدعم منذ سنتين جريمة! وبهذا المعنى يعيش رئيس الحكومة حالة من الانفصام في الموقف أثرت على مصداقيته السياسية . لذلك يساهم رئيس الحكومة في تعميق فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع ما يضعف من قوة الخطاب الرسمي الذي يسعى لعزل الاسلاميين.
ثانيا، الحكومة وإن توقعت رد فعل سلبي من قبل الشارع فإنها لم تتوقع عمق الأزمة الناتجة عن قرار محفوف بالمخاطر، فمن الطبيعي إذن أن يخرج الأردنيون للشارع معبرين عن عدم رضاهم وعدم قناعتهم باجراءات الحكومة التي اتت على جيوبهم. وهناك أعداد متزايدة من بين الأردنيين مزقت البطاقات الانتخابية احتجاجا على ما يرونه من لعب بقوتهم. وأكثر من ذلك قامت خمسة أحزاب سياسية- كانت قد أعلنت عن مشاركتها في الانتخابات القادمة- بالاعلان عن مقاطعة الانتخابات، بمعنى أن الجبهة التي تعارض الانتخابات لا تقتصر على الاسلاميين بل اصبحت تشمل قوى وطنية وقومية وجدت في سياسة الحكومة وصفة تأزيم بدلا من خلق شروط التشاركية التي تنادي بها الدولة لفظيا.
ثالثا، يصر رئيس الحكومة على أنه اتخذ القرار بمفرده دون الرجوع إلى رأس الدولة وخلافا لتوصية أمنية كانت ترى أن قرار الحكومة يمكن أن يكون عامل تأزيم ومصدر تهديد للاستقرار الداخلي، ومع ذلك قامر الرئيس ورمى بالتوصية الامنية بعرض الحائط لأنه وحده يرى بأن ما قام به هو من صميم الواجب الوطني! هناك مشاكل كثيرة في طرح الرئيس. فمثلا، القرار جاء تنفيذا لاتفاقية مع صندوق النقد الدولي اقرتها حكومة سابقة وليس حكومته واخفت بنودها ولم يتمكن النسور من كشف تفاصيل الاتفاقية كما تعهد. بمعنى أن ما قاله الرئيس بأنه جاء وتفاجأ بالوضع المالي وقام باتخاذ القرار على هذا الاساس يتعارض مع حقيقة نعرفها جميعا تتعلق باتفاق مع صندوق النقد الدولي. واللافت أن الرئيس ما زال يردد هذه المقولات مع انها في واقع الحال اصبحت مثارا للتندر بين الناس والفيس بوكيين لأن احدا لا يصدق ما يقوله الرئيس. وعلى اعتبار ان تفرد الرئيس في اتخاذ القرار حقيقة، فهذا بدوره يطرح أمرا يتحدث عنه الاصلاحيون وهو ضرورة ان تكون هناك مشاركة واسعة في صناعة القرار، ولا يجوز لفرد مهما بلغت قدراته الذهنية أن ينفرد بقرار بهذا الحجم!
من الجلي للمراقب أن الدولة تحاول جاهدة الدفاع عن قرار الرئيس غير الشعبي من خلال شيطنة الحركة الاسلامية وابراز ما يره الرئيس من تناقض في موقف الحركة. فالنسور يستغربمعارضة الحركة لقرار رفع الدعم في الاردن ولا تحتج عليه في مصر! لا اعرف ما هي العلاقة بين الأمرين، فالحركة الاسلامية هي حركة وطنية تعمل في سياق وطني له ظروف مختلفة، ثم تناسى الرئيس أن الاسلاميين الذين يحكمون في مصر هم منتخبون على عكس حكومته! بمعنى أن الحكومة المصرية تحظى بشرعية شعبية وجاءت من خلال صناديق الاقتراع الذي انتخب مجلسا تشريعيا منح ثقته للحكومة المصرية. باختصار، لم تفلح الدولة لغاية الآن في عزل حركة الاخوان المسلمين أو حتى شيطنتهم. لا اكتب ذلك هنا دفاعا عنهم ، ولكن المتابع للشان السياسي لا يملك الا ان يستنتج أن الحركة الاسلامية هي من تمكنت من عزل الحكومة وليس العكس، فاخفاق الحكومة في خلق شروط الانفتاح السياسي يشكل تهديدا لمسار الانتخابات القادمة ويخلق حالة من الاستقطابات السلبية داخل المجتمع الأردني وربما يدفع الاردن الى المربع رقم واحد بعد أن ظن الكثيرون بأننا تجاوزناه. الاسلاميون يزدادون التحاما بالقاعدة الشعبية العريضة وباتوا يمثلون متطلباتها وحاجاتهم في الوقت الذي ازدادت به الحكومات والاجهزة الامنية عزلة و ابتعادا وخذلانا وتجاهلا للناس وانكارا لاوضاعهم الاقتصادية ومتطلباتهم وتطلعاتهم السياسية وغير السياسية .. فيبدو ان تكتيك العزل انقلب على اصحابه تماما ..
أولا، التناقض المكشوف لمواقف وأقوال رئيس الحكومة، فلوقت قريب جدا كان عبدالله النسور من أشد المعارضين لبرنامح يبذل الآن جهدا كبيرا لتجميله وتسويقه للناس، فهو يعتقد أن المشكلة ليست في قرار رفع الدعم وانما في خطأ ارتكبه رئيس الحكومة الذي سبقه لأن الأخير لم ينجح في اطلاق حملة اعلامية لكسب عقول وقلوب الأردنيين، وهو الأمر الذي حاول ان يقوم به النسور نفسه. فالنسور يرى بأن قرار الحكومة السابق- وهو القرار الذي جمده الملك- كان صائبا واعتبر ان عدم القيام برفع الدعم منذ سنتين جريمة! وبهذا المعنى يعيش رئيس الحكومة حالة من الانفصام في الموقف أثرت على مصداقيته السياسية . لذلك يساهم رئيس الحكومة في تعميق فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع ما يضعف من قوة الخطاب الرسمي الذي يسعى لعزل الاسلاميين.
ثانيا، الحكومة وإن توقعت رد فعل سلبي من قبل الشارع فإنها لم تتوقع عمق الأزمة الناتجة عن قرار محفوف بالمخاطر، فمن الطبيعي إذن أن يخرج الأردنيون للشارع معبرين عن عدم رضاهم وعدم قناعتهم باجراءات الحكومة التي اتت على جيوبهم. وهناك أعداد متزايدة من بين الأردنيين مزقت البطاقات الانتخابية احتجاجا على ما يرونه من لعب بقوتهم. وأكثر من ذلك قامت خمسة أحزاب سياسية- كانت قد أعلنت عن مشاركتها في الانتخابات القادمة- بالاعلان عن مقاطعة الانتخابات، بمعنى أن الجبهة التي تعارض الانتخابات لا تقتصر على الاسلاميين بل اصبحت تشمل قوى وطنية وقومية وجدت في سياسة الحكومة وصفة تأزيم بدلا من خلق شروط التشاركية التي تنادي بها الدولة لفظيا.
ثالثا، يصر رئيس الحكومة على أنه اتخذ القرار بمفرده دون الرجوع إلى رأس الدولة وخلافا لتوصية أمنية كانت ترى أن قرار الحكومة يمكن أن يكون عامل تأزيم ومصدر تهديد للاستقرار الداخلي، ومع ذلك قامر الرئيس ورمى بالتوصية الامنية بعرض الحائط لأنه وحده يرى بأن ما قام به هو من صميم الواجب الوطني! هناك مشاكل كثيرة في طرح الرئيس. فمثلا، القرار جاء تنفيذا لاتفاقية مع صندوق النقد الدولي اقرتها حكومة سابقة وليس حكومته واخفت بنودها ولم يتمكن النسور من كشف تفاصيل الاتفاقية كما تعهد. بمعنى أن ما قاله الرئيس بأنه جاء وتفاجأ بالوضع المالي وقام باتخاذ القرار على هذا الاساس يتعارض مع حقيقة نعرفها جميعا تتعلق باتفاق مع صندوق النقد الدولي. واللافت أن الرئيس ما زال يردد هذه المقولات مع انها في واقع الحال اصبحت مثارا للتندر بين الناس والفيس بوكيين لأن احدا لا يصدق ما يقوله الرئيس. وعلى اعتبار ان تفرد الرئيس في اتخاذ القرار حقيقة، فهذا بدوره يطرح أمرا يتحدث عنه الاصلاحيون وهو ضرورة ان تكون هناك مشاركة واسعة في صناعة القرار، ولا يجوز لفرد مهما بلغت قدراته الذهنية أن ينفرد بقرار بهذا الحجم!
من الجلي للمراقب أن الدولة تحاول جاهدة الدفاع عن قرار الرئيس غير الشعبي من خلال شيطنة الحركة الاسلامية وابراز ما يره الرئيس من تناقض في موقف الحركة. فالنسور يستغربمعارضة الحركة لقرار رفع الدعم في الاردن ولا تحتج عليه في مصر! لا اعرف ما هي العلاقة بين الأمرين، فالحركة الاسلامية هي حركة وطنية تعمل في سياق وطني له ظروف مختلفة، ثم تناسى الرئيس أن الاسلاميين الذين يحكمون في مصر هم منتخبون على عكس حكومته! بمعنى أن الحكومة المصرية تحظى بشرعية شعبية وجاءت من خلال صناديق الاقتراع الذي انتخب مجلسا تشريعيا منح ثقته للحكومة المصرية. باختصار، لم تفلح الدولة لغاية الآن في عزل حركة الاخوان المسلمين أو حتى شيطنتهم. لا اكتب ذلك هنا دفاعا عنهم ، ولكن المتابع للشان السياسي لا يملك الا ان يستنتج أن الحركة الاسلامية هي من تمكنت من عزل الحكومة وليس العكس، فاخفاق الحكومة في خلق شروط الانفتاح السياسي يشكل تهديدا لمسار الانتخابات القادمة ويخلق حالة من الاستقطابات السلبية داخل المجتمع الأردني وربما يدفع الاردن الى المربع رقم واحد بعد أن ظن الكثيرون بأننا تجاوزناه. الاسلاميون يزدادون التحاما بالقاعدة الشعبية العريضة وباتوا يمثلون متطلباتها وحاجاتهم في الوقت الذي ازدادت به الحكومات والاجهزة الامنية عزلة و ابتعادا وخذلانا وتجاهلا للناس وانكارا لاوضاعهم الاقتصادية ومتطلباتهم وتطلعاتهم السياسية وغير السياسية .. فيبدو ان تكتيك العزل انقلب على اصحابه تماما ..