jo24_banner
jo24_banner

عندما تهتدي الأمة بتاريخها

د. صبري اربيحات
جو 24 :
الصين أكثر بلدان العالم سكانا وصاحبة إحدى أقدم وأعرق الحضارات الانسانية، تسير بخطى ثابتة نحو التربع على عرش الاقتصاد العالمي دون أن تتخلى عن شيء من قيمها أو تراثها ودون أن ينسى القائمون على إدارة برامج إعادة مجدها أيا من السمات والخصائص التي ميزت الأمة الصينية وشكلت ماضيها وحاضرها.

في الصين التي استطاعت أن تنتقل في أقل من عقدين من الزمان من كونها بلدا ناميا يعاني ما تعانيه المجتمعات النامية من مشكلات إلى ثاني أكبر اقتصاد عالمي ينتج معظم ما يحتاجه العالم من السلع والخدمات ويسهم في نهضة العشرات من المجتمعات الإنسانية في كل من آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية. تعلقهم بالماضي لا يقل عن شغفهم بالحاضر وإيمانهم بالمستقبل.

أحد أهم أسرار النجاح الذي حققته الصين يكمن في القيم والثقافة والتقاليد التي ميزت أهلها وشكّلت البناء المعنوي للشعب الصيني. فثقافة الشعب مرتكزة على تاريخ أمة عريقة يعي أبناؤها تراثها ومجدها. فالصينيون يدرسون تاريخهم جيدا ويعرفون أسماء العائلات التي حكمت البلاد واحدة واحدة ويدرسون خصال ملوكهم وإسهاماتهم ويكنّون الاحترام العميق لهم. ويتعلمون في مدارسهم الفلسفة الصينية ومبادئ وتعاليم كونفوشيوس. ولا ينسون أن الآباء استطاعوا أن يشيدوا سور الصين العظيم في ظروف اقتصادية ومناخية صعبة، ليبقى السور شاهدا على عزيمة وإصرار شعب تمكن من أن يشيد أضخم وأطول بناء أنجزته يد الإنسان عبر التاريخ.

لمئات السنين حرصت الصين أن تنأى بنفسها عن التورط في النشاط الاستعماري وبنت علاقاتها على احترام الشعوب وخياراتها وحافظت على هذه التقاليد وهي تتمدد اقتصاديا شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. ففي أفريقيا اليوم تعتبر الصين أكثر الدول العظمى حضورا اقتصاديا؛ فقد عملت على مساعدة عشرات الدول الأفريقية على تطوير البنى التحتية والتأسيس لنهضة اقتصادية حيث نفّذت أطول شبكة للسكك الحديد في تنزانيا وانغولا والعديد من المطارات وشبكات الطرق والري ومشاريع التعدين والطاقة وغيرها من المشروعات الاستراتيجية لتلك البلدان.

اليوم وعلى خطى أسلافهم قبل أكثر من الفي عام يرفع الصينيون شعار"طريق واحد، حزام واحد" في محاولة لإعادة إحياء طريق الحرير التاريخي الذي تشكّل من شبكة للطرق التجارية التي سلكتها القوافل والسفن في رحلاتها التجارية بين أوروبا وأفريقيا وآسيا.

الطريق الواصل بين قارات العالم القديم والذي أخذ اسمه من مادة الحرير باعتبارها أهم وأثمن البضائع التي حملها التجار في رحلات تجارتهم بين الصين وكل من آسيا وأوروبا وأفريقيا يعاد إحياء ذكراه هذه الأيام ليصبح عنوانا لمشروع تجارة وتعاون اقتصادي بين الصين وأكثر من 60 دولة في العالم من خلال برنامج اقتصادي تقدر موازنته بين أربعة إلى ثمانية ترليونات دولار.

الصينيون اليوم يتطلعون إلى شراكات واسعة وخالية من كل النوايا الاستعمارية مع كافة دول العالم دون ان يعرضوا على شركائهم طائرات بلا طيارين أو اتفاقيات حماية ودفاع مشترك ودون التفكير في كيفية تفكيك الأنظمة وهدم وتدمير قوتها الذاتية وروحها المعنوية، تارة باسم الديمقراطية وتارة باسم مكافحة الإرهاب وأخرى من خلال الخوف على البشرية من أخطار أسلحة الدمار الشامل.

على طريق الحرير يمشي الصينيون دون ضجيج ليصلوا الشرق بالغرب ولهدم الفجوة بين الاغنياء والفقراء، لا تتعب أرجلهم ولا يضطرون للمشي على أيديهم.
 
تابعو الأردن 24 على google news