2024-08-21 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

القاصة عباس: الشموع تذوب ويبقى الأثر

القاصة عباس: الشموع تذوب ويبقى الأثر
جو 24 :

كيف يكتب الأديب نصّه، ولمن يكتب؟! هو محور هذا الحوار الذي يجيء من حوارات تجريها(الرأي) مع أديبات أردنيات في القصة والرواية والشعر ونصوص المسرح وغيرها من أجناس الأدب.
وفي هذا الحوار مع القاصة انتصار عباس، ثمّة وقفة على مجموعة التناقضات المتعادلة في الحياة، وهي التناقضات التي تتشرب منها الكاتبة نصّها، مؤمنةً بأهميتها أنثى وصراع الكينونة والزوال، وهذا المشوار الذي نتعرى فيه أمام الطبيعة في كلّ فصل.
تقول صاحبة المجموعة القصصية (حلوى الماء) إنّ الإحساس يأخذها بكل ما حولها، فتتفكر فيه، وتحاول استنطاق الاشياء، والغوص في أعماقها، وتضيف انتصار عباس: نحن نتبادل أدوار الوجود، نمر بمراحل طقسية متغيرة، الطبيعة تمطر ، تتعرى ، ثم تعود من جديد.. ونحن كذلك ، نفرح ، نحزن ، تعرِينا الحقائق وتكشف زيفنا، ويبقى كل ما حولنا يدور في أقطاب الوجود ، حتى الجمادات ، التي نظنها ثابتة، هناك محركات تحكمها ، إيماننا بأنفسنا وإرادتنا تتحدى كل الدوائر والمحن.
ترى عباس أنّ الإبداع حالة تجلي مع الذات في لحظة صدق عالية ، حيث تطغى الروح فترى العوالم الجوانية وتتوغل فيها دون قصد، أو افتعا ، وتتوحد التناقضات، وبالمقابل فلا بد لهذه الحالة أن تتكشف للآخرين سواء كانت عن طريق الكتابة ، أو الرسم ، أو غير ذلك من أنواع التعبير وأجناس الفن.

عن الكتابة تؤكّد عباس أنّ الحس الطاغي على الحالة يستثير كل المحفزات الروحية ليكتمل الوليد ويخرج العمل بغض النظر عن النوع أو المسمى، ففي النهاية تتجسد رؤى الكاتب وفكره والمتعقدات التي يؤمن بها، فنحن إذن نعيش في عالم من التناقضات والمتخيلات، هي في المحصلة أساس الديمومة والاستمرار. ومن ذلك، كما ترى عباس، أننا بمقدار ما نحتاج للحب نحتاج لنقيضه الكره،.. حتى تتعادل مكونات الكون ، فكما نحتاج للملح نحتاج للسكر، إذ أنّ المسألة ليست في البديل الواحد ، ولو كانت كذلك ، لكانت الحياة بطعم واحد، ولون واحد ، ولأقتصر الكون على نوع واحد من المخلوقات، إما رجل وإما امرأة؛ فتكون الأرض دون السما ، مثلا ، والليل دون النهار فكل يستدعي وجوده من خلال نقيضه، حتى دواخلنا تحكمها الأقطاب السالبة والموجبة، فيطغى السالب تارة ، والموجب تارة أخرى ، وقد تتعادل في لحظة ما ، وكلها تخضع لمجموعة من المتغيرات ، ولو انها كانت ثابتة لأصابنا الصدأ، وجفت قلوبنا ،وتحطبت . .
من ذلك ترى عباس أنّ أن التكوين البشرى يحمل في مكنونه الأقطاب السالبة والموجبة، فلو كانت حياتنا كلها فرحا لطلبنا الحزن ، والعكس كذلك ، والإنسان المبدع سواء كان كاتبا ، او شاعرا ، او فنانا ، تتملكه روح شفيفة ، تخرج في لحظه ، تستحث المشاعر والأحاسيس والرؤى لمقارعة الحياة ، والبوح بمكنونها دون خوف او خجل وقد تخفت في ثوب الشعر ، او القص ، أو .. أو وإذ أننا نلبس قمصان الحياة ، والموت ، دون قصد ، وننساب فيها ماهية الاشياء ، كالرمل حتى نتلاشى .. نمثل أدورا نعيشها ، حتى ينتهي نص الحياة لدينا ،برغم استمرارها عند غيرنا وهكذا.
عن حرية الكتابة تقول عباس إنّه إذا كان البعض يحاول التدخل في شؤوننا (كما المخرج في النص التجريبي)، يسقط رؤاه علينا ويجبرنا على ما يريد ، وآخر يستقوي كالحكومات الظالمة ويجردنا حقوقنا ، وحياتنا ، ، وآخر يقف متفرجا ، وآخر يستدير لنا لا نعنيه ، الا أننا في الحقيقة تحكمنا حقيقة ( الغياب ) ، تتداركنا الحياة ولا نشعر به الا متأخرين ، وأحيانا نعرفه ، ولا نستطيع الوصول اليه ، وقد نفتقده ولا ندري ، لكننا في لحظة من لحظات الحياة نشعر بهذا الفقد.
هذا الفقد كما ترى القاصة عباس يتعاظم فينا ، طالما عرفناه ، وشعرنا به ، وقد نغيبه ، بقصد أو دون قصد ، فهناك غياب حسي لما حولنا وغياب مادي ، ويبقى احتياجنا يمطر دواخلنا ، بالشيء الذي نفقده ، فيعيش فينا أكثر مما لوكان موجودا ، ويتجدد ، لا تلغيه الأيام ، في نصوصي أجرد الاشياء وأعريها لتظهر بحسها الروحي الحقيقي دون زيف ، حركي هو إيماني بوجودي ، وصدقي مع نفسي ، فالصدق ، وتصالحنا مع ذاتنا هو الأساس ، يستوقفني الانسان بكافة صوره وبكل ما فيه من قبح ، وجمال ، صحيح أننا بشر الا اننا في دواخلنا نزعات حيوانية ،وشيطانية ، بدليل أننا نطلق على بعضنا ألقاب حيوانية ، كأن نقول (أنت ثعلب ، ذئب ، يا أفعى ) وغيرها من الالقاب.
تحاول عباس قراءة الناس ، والغوص في أفكارهم ، واحوالهم ، ومشاعرهم ، ونبض الحياة فيهم ، والى أين تأخذ بهم ؟! .. فالحياة تجربة علينا خوض غمارها شئنا ام أبينا ، سواء كنا رجالا أم نساء فكلنا محكمون بالحياة ، وحيث أنني كتبت نصوصا في المرأة ، أجسد انفعالاتها ، وتقلبات الحياة ، والمجتمع ، والعادات والتقاليد ، وحبها لكينونتها الانثوية ، وكرهها لها في الوقت نفسه ومحاولة النزوح عن هذه الكينونة ، بسب النظرة التي تنتقص من وجودها كامرأة رغم أنها نبض الحياة ، ليس لاني امرأة ، ولا من بال التخصيص في الادب النسوي.
بالمقابل تقول عباس إنها كتبت نصوصا على لسان رجال ، وتحدثت عن الرجل أكثر من المرأة ، فالأدب أدب سواء كان في الرجل او المرأة ، فهي الحياة ، وتلك نبضها ، فأنا أحاول أن أترجم انسانيتي وايماني بكليهما وبتداعيات الاقطاب السالبة والموجبة في الحياة ، هناك أدب انساني عالمي كتب في الحياة ، والناس ، كتبه أدباء عالميون حاولوا الدخول للعوالم الجوانية للبشر ، وصوروا روحانية هؤلاء الناس ، والاقطاب التي تدور حولهم من حيوات ، والمكونات مادية ، والحسية للحياة ، فالحياة لا تتوقف عند عنصر معين او صنف معين ، بل تتسع لتنتقل الى برزخ الحياة الاخرى ، وعوالم لا نعرفها ..
علينا أن نرى العالم ليس بعيوننا فقط ، ترى القاصة، بل بعيون الآخرين ، مضيفةً: علينا ان نفكر بفكر الاخرين لنصل اليهم وهنا لا أقصد التقليد بل التوسع في مدار المعرفة ، لتتوازن الاشياء ونصبح أكثر تسامحا ، ومحبة تستحق الحياة ، أن نعيشها كما هي ، بصورها الجميلة ، المتعددة ، والمتجددة ، المادية والروحية ، وان نعيش انسانيتنا ، التي فطرنا الله جل جلاله عليها ، وان نؤثث الوطن فينا ، ودونه لا نكون .. أؤمن بالتحرر الثقافي للإنسان ، تحرره من تبعية الاشياء ، ايمانه بنفسه وبأهمية وجوده وليس مجرد رقم في خضم هذا الكون ، وان يكون حرا من الداخل ، هناك رجال ونساء متحررون من الخارج لكنهم عبيد أنفسهم والمال...
تؤكّد عباس أهمية أن يكون الأديب حرا .. أن يعلن عن نفسه دون خوف ، ان يتحدث دون خوف: ان تكون أنت .. وليس آخر ، وعلى الكاتب ان يكون هو .. لا يستظل من خلال الاخرين .. عليه ان يطور نفسه ، فيخرج من شرنقته الى العالم .. أحاول ان أطور نفسي ، وان أجسد في نصوصي نبض الشارع ، فالكاتب مسؤول امام نفسه والناس ، وفي النهاية تذوب الشموع ، وتنطفئ الاضواء ويبقى الأثر ، هناك أضواء تأتي وتمضي ، وأخرى تبقى
تذرو ومضها في وجه الريح .الراي

تابعو الأردن 24 على google news