jo24_banner
jo24_banner

دموع أردنية

علي الجازي
جو 24 :

- يجلس ليلا وحده في كوخ نصفه زجاجي شارد الذهن , يفكر بزوجته وأولاده الخمسة الذين تركهم جالسين في البرد بعد أن نفذ الغاز , وفجأة يتسلل الى أذنيه صوت يناديه خارج الكوخ إنها الخادمة جاءت له بعشاء من أصحاب المنزل الذي يحرسه , يشكرها ويحمل عشاءه ويدخل كوخه ويجلس ينظر الى العشاء يراه ساخنا شهيا لكنه لا يأكل منه , فأولاده لن يجدوا الليله كأس الشاي الدافئ ليأكلوا معه الخبز وهنا يمر أمام الكوخ عامل وافد ينادي عليه ويعطيه عشاءه ويعود الى مكانه ....... وهنا تسقط دمعه . 

- يعود الى بيته ليلا وعند الباب يسمع أصوات فرح عند الجيران فيدخل ويسأل أمه عن الخبر فتجيبه وعيناها تدمعان , إنها فلانه خطبها ابن عمها الذي عاد من الخليج الأسبوع الماضي , يدخل غرفته ويفتح خزانته ويسحب صندوقه الخشبي ويخرج منه صورتها معه في الجامعة , حيث كانا يدرسان ويحلمان معا , كانا زميلا دراسة , لكنه اليوم مجرد جامعي عاطل عن العمل , وهذا طبعا لا يكفي , يُعيد الصورة ويغلق الخزانة ويجلس على الأرض ....... وهنا تسقط دمعة .

- يوقفه شرطي السير ويطلب رخصه , يحرر له مخالفة لتحميله رُكاب بالأجرة , يتوسل للشرطي أن لا يفعل يقول له أنا كنت زميلك وهذا المبلغ أحتاجه لأدفع رسوم دراسة ابنتي الجامعية , فلا يسمع الشرطي المه ويعطيه المخالفة , يأخذها ويضعها في جيبه ويتابع طريقه , وهنا يتذكر الشرطي الشريف النشيط ويتذكر كُتب الشكر , وشهادات التقدير وينظر في مرآته فيرى ذلك الشرطي ...... وهنا تسقط دمعة .

- يجلس في فراشه عاجزا عن النوم يؤرقه صوت الرجل الذي كان يستجدي المذيع في البرنامج الصباحي وتقف أمامه صورة العجوز التي كانت تلبس العصابة وتبحث في الحاوية القريبة منزله عن شي يؤكل , يتذكر ذلك الطفل الذي كان يسهر على الرصيف تحت المصباح الكهربائي حاملا كتابه وحلمه , حلمه بأن يصبح أستاذا جامعيا وينقذ نفسه ومن حوله من الفقر , وقد أصبح , لكنه لم ينقذ أحد غير نفسه , يسند رأسه على زاوية السرير ....... وهنا تسقط دمعة .

- تدخل غرفة الضيوف تقف أمام صورة زوجها يلبس البذلة العسكرية والقبعة الزرقاء وعلى جانب الصورة شريط أسود , تتذكر آخر مكالمة له من أفغانستان وعبارات الشوق لها ولطفلته التي لم يرها بعد , وجدالهما حول لون السيارة التي سيشتريها عند عودته , لكنه لم يعد , تسمع صوت طفلتها الرضيعة التي لن تعرف كلمة بابا , تضمها اليها بصمت ....... وهنا تسقط دمعة .

تتساقط الدموع وتتجمع في علبة صغيره أحملها دائما في جيبي , وإذا أقترب الضحك مني أو تسلل الفرح الى قلبي أمُد يدي في جيبي وأمسكها فأعود الى طبيعتي , هذه الدموع لا يعرفها ولا يراها ولا يحُس بها غير الأردني لأنها ببساطه دموع أردنية . " إذا لم تفهم ما تقرأه .... فأنت أعمى " .

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير