النواب اعطى الحكومة ضوءا اخضر للتنكيل بالشعب.. والملقي فهم اللعبة جيدا
جو 24 :
أحمد الحراسيس - لم يخالف مجلس النواب الثامن عشر التوقعات أبدا؛ منح حكومة الدكتور هاني الملقي الثقة كي تسرح وتمرح كما تريد وكيفما تشاء، ترفع الأسعار وتفرض الرسوم وتلغي الاعفاءات وتفرض الضرائب وتستورد الغاز من الاحتلال الصهيوني وتحذف الآيات من المناهج وتزيد من هلاك القطاع التجاري والزراعي والصناعي باتفاقياتها مع صندوق النقد الدولي..
كان واضحا خلال ردّ الدكتور الملقي على مداخلات النواب أنه فهم اللعبة جيدا، وعرف أن كثيرا من الجعجعة لا تعني بالضرورة الطحن، وعليه كان الردّ الصريح برفض الاعتراضات على استيراد الغاز من الاحتلال وحذف الآيات من المناهج والاتفاقية الأخيرة مع صندوق النقد الدولي والتي سيتم بموجبها تعديل قانون ضريبة الدخل "بما يضمن تخفيض شريحة الاعفاء للشخص الطبيعي" وتخفيض الاعفاءات الضريبية على السلع والخدمات ورفع أسعار الكهرباء عبر تحريرها اعتبارا من مطلع عام 2017.
خلال مناقشات النواب للبيان الوزاري والتصويت عليه كان لا بدّ من تحليل المشهد جيّدا، لنعلم أين وصلنا وما هي طبيعة المجلس الجديد وكيف سيكون الحال في قادمات الأيام، وكانت الصدمة كبيرة للغاية؛ كثير من أعضاء مجلس الشعب لا يدركون حجم المصائب القادمة والتي سترتب على قواعدهم والمواطنين الويلات نتيجة قصر النظر، فالثقة لا تعطى لا لعيون عادل ولا لابتسامة حماد ولا لتعبيد طريق عام أو تعيين مدير تربية كما ظلّ بعض النواب يلحّون على رأس الوزير محمد ذنيبات.
بدا لافتا خلال مناقشات الثقة أن كتلة الاصلاح أحسنت تقسيم الأدوار فيما بين أعضائها وتولّى كلّ منهم الحديث عن ملفّات بعينها قبل أن يأتي الدور على رئيسها البرلماني المخضرم الدكتور عبدالله العكايلة ويخصص نصف وقته لتوجيه رسائل عميقة إلى زملائه النواب دعاهم فيها إلى حفظ هيبة المجلس من خلال تصرفاتهم وادراكهم لطبيعة دورهم الحقيقي، والكارثة أن بعض النواب استاؤوا من نصائح العكايلة والتي سرعان ما ثبتت الحاجة إليها من خلال صورة تذكارية بائسة التقطتها إحدى النائبات مع الرئيس الملقي وقد تعلّقت السيدة الفاضلة بيده وكتفه كأنها طفلة صغيرة رأت فارس أحلامها..
كان لافتا أيضا أن النائبين عبدالكريم الدغمي ويحيى السعود واللذان اعتبرا من أبرز معارضي الرئيس السابق عبدالله النسور قد تحوّلا من صفّ المعارضة إلى التأييد، رغم أن السياسات لم تختلف وبقي نهج رفع الأسعار هو السائد، وبقيت الحكومة على موقفها من التطبيع مع العدو الصهيوني بل وخرجت اتفاقية استيراد الغاز إلى حيّز التنفيذ.
النائبان خالد رمضان وقيس زيادين ركّزا وتمسّكا خلال مداخلتيهما على نقطة تعديل المناهج، والواقع أن النائبين اللذين جاءا من خلفية يسارية لم يلتزما بمبادئهم الأساسية والتي تقول إن الأولوية هي للارتقاء بالجانب الاقتصادي والمعيشي للمواطنين في المحافظات والبوادي والمدن والقرى..
وأما الشقيقان خليل وخميس عطية، فقد اتسق موقف الأول في التصويت مع مضمون وفحوى كلمته ومواقفه الشعبية بحجب الثقة عن الحكومة التي سترفع الاسعار وتستورد الغاز من الاحتلال وتعبث في المناهج، فيما منح خميس الثقة للحكومة الأمر الذي دفع العديد من المتابعين للقول إن الشقيقين تقاسما الأدوار خاصة وأن خليل لا يتخلى عن خميس في الدعاية الانتخابية وعادة ما يطلب الدعم من الناخبين لشقيقه.
ومن المشاهد اللافتة أيضا والتي لا يمكن تجاوزها بأي حال أن نواب حزب زمزم قد منحوا الثقة للحكومة بالرغم من كونها أصرّت على مسّ الثوابت الوطنية سواء في تعديلات المناهج التي حذفت خلالها الآيات القرآنية أو في ملفّ استيراد الغاز من الاحتلال الصهيوني، وهذا شكّل صدمة كبيرة لنا كمتابعين وجعل المثل "من أول غزواته كسر عصاته" الأنسب لوصف حال الحزب.
النائب والزميل الصحفي نبيل غيشان تمكّن خلال ماراثون الثقة من انتزاع اعجاب كثير من المراقبين من خلال ثلاثة مواقف، فكانت مداخلته وازنة وتدلّ على فهم عميق لواجباته ومسؤولياته ويمكن تصنيفها على أنها واحدة من أفضل المداخلات التي شهدتها قبة البرلمان، كما أجاد بملاحظته ومداخلته على كلمة زميله محمد هديب والذي قسّم الشعب الأردني إلى مكوّنين ونصّب نفسه متحدثا باسم أحدها، بالاضافة لموقفه في التصويت وحجبه الثقة عن الحكومة.
بالتأكيد الاعتراض هنا لم يكن على حقوق من وصفهم هديب بـ"المكوّن الفلسطيني"، بل على نظرة النائب للمجتمع الأردني، وكان الأصل بـ"هديب" أن يطالب بحقوق قاعدته الانتخابية على أساس المواطنة وأنهم مواطنون أردنيون وليسوا "مكوّنا فلسطينيا"، والحقيقة أن هديب وقع في خطأ سياسي كبير بتقسيمه الشعب إلى مكوّنين وبما يفتت الوحدة الوطنية.
ولم يتوقف هديب عند ذلك الحدّ من الأخطاء، بل إنه آثر الانضمام إلى جوقة النواب الذين أشبعوا الحكومة شتما وتباكوا على أوضاع قواعدهم قبل أن يمنحوا الثقة القوية والمجلجلة!
ولعلّ العين في ليلة الثقة كانت مسلّطة أكثر على النائب محمد نوح القضاة، والذي أثار مواقع التواصل الاجتماعي بمداخلته على بيان الثقة، حيث نجح الوزير الأسبق بالاختبار الشعبي وحجب الثقة عن الحكومة، ليلتحق بزملائه من نواب أولى الزرقاء والذين حجب ستة منهم الثقة عن الحكومة باستثناء النائب قصي الدميسي وفيصل الأعور.
وأثبت القضاة بذلك الموقف أنه لم يأتِ لمناكفة الاسلاميين -التحالف الوطني- تحت قبة البرلمان، بل جاء ممثلا لشعب يئن تحت وطأة الفقر والجوع في محافظة الزرقاء وغيرها من مناطق المملكة.
النائب عليا أبو هليل والتي سألت زميلتها عن "الملوخية" وطالها نقد واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي واتهمها البعض بأنها لا تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، حجبت الثقة عن الحكومة.
وبالإضافة إلى ملفّي المناهج واتفاقية الغاز، ظهر على السطح ملفّ الحقوق المدنية لأبناء قطاع غزة وأبناء الأردنيات وبدت تلك الملفات رئيسية لدى كثير من أعضاء مجلس النواب، فيما دعا عدد محدود من النواب إلى تجنيسهم وتجنيس الساكنين في البادية الشمالية من غير حاملي الأرقام الوطنية، وهذا بالتأكيد مطلب مرفوض شعبيا قبل أن يكون حكوميا، فلا أرقام وطنية لا لأبناء الأردنيات ولا للغزيين ولا لأبناء البادية الشمالية من غير حاملي الجنسيات.