معركة الكرامة كرامتين.. كرامة الرجال وكرامة الوطن
أمجد هزاع المجالي
جو 24 :
في تاريخ الأمم والشعوب أيام خالدة محفورة في أعماق التاريخ، ومكتنزة في ذاكرة الأجيال نحملها أمانة ووفاءً، ففيها من العبر والقيم والتراث الخالد ما يضيء صفحات تاريخية لا تقبل التأويل او التحريف، وحمدا لله تعالى ان في تاريخنا ومسيرتنا في هذا الوطن الأبي من الأيام الخالدات لآليء تزين مسيرتنا وتشع بالآمال ذكراها أجيالنا، وتعزز في وجودنا ينابيع الثقة والقدرة الوطنية والانتماء الصادق لامتنا، وهذه الأيام الخالدات والشواهد العظيمة صنعها رجال كبار تطال قاماتهم عنان السماء، ووقف عليها شباب من أبناء الوطن مشبعون بالعزة والكرامة وبالقناعة بان التاريخ لا يكتبه الا المخلصين لوطنهم وشعبهم وقيمهم، وان الأحداث العظيمة المحفورة في صدر التاريخ القومي لا يصنعها الا الأبطال.
وفي معركة الكرامة يكون الحديث ذو شجون، فهناك تختلط العواطف بكل أحاسيسنا، ويخرج من داخلنا كل ما يميزنا عن غيرنا، ونرى الوطن كما لا نراه في اي موقف آخر، نرى في الكرامة عروبتنا، ونرى في الكرامة شهامتنا، ونرى في الكرامة قاماتنا عالية، ورؤوسنا مرفوعة، ونرى في الكرامة سبب حياتنا وآفاق تطلعاتنا فكيف إذا كانت الكرامة كرامتين كرامة الرجال وكرامة الوطن.
ففي ذكرى الكرامة نستذكر نحن أبناء الوطن بطولات الشهداء من أبناء قواتنا المسلحة الباسلة الذين خطوا بدمائهم وشهادتهم صفحات مضيئة في وجودنا نسترشد بها وتدلنا وتهدينا الى إضافة فصول جديدة من المجد الاردني في وجود هذا البلد الصابر الصادق الذي ما كان يوما الا حصنا يحمي أمته، وسدا منيعا للدفاع عن كرامتها وشرفها ووجودها لتحيا شعوبنا في أوطان تزينها الكرامة، ويعبق من ثناياها العز والفخار.
وفي معركة الكرامة سطر الجيش العربي الاردني بالتعاون مع إخوانه في المقاومة أروع الانتصارات على العدو وأعطى الدليل على قوته وعظمة بطولاته، وعلينا في هذه الأيام ان نستذكر بفخر وإجلال شهداء هذا الجيش العظيم في الكرامة، وباب الواد، وأسوار القدس الشريف، والجولان، وكل معارك الأمة.
وفي ذكرى الكرامة نجد أنفسنا في كل عام نقف وقفة إجلال وإكبار لأولائك الرجال الذين وقفوا في ساعة عسرة كان يمر بها الوطن وامتشقوا كراماتهم مع أسلحتهم التي كانوا يعرفون ان الوطن بحاجة إليها واليهم، ليعيدوا لنا وهج أصالتنا وربيع ثورتنا على الظلم والعدوان، وليرسموا على وجوه الأردنيين بل وجوه العرب كلهم من المحيط الى الخليج فرحة النصر ونشوة الصمود من جديد.
وفي ذكرى الكرامة نستذكر فقيدنا الكبير الحسين الذي كان علماً من أعلام الأمة عندما كان بين صفوف أبناءه جنديا باسلاً، لا يقنع بقيادة المعركة الا من وسط ميدانها، يشرف على سير المعركة، ومجرياتها، ومعه كوكبة مؤمنة من القادة العسكريين المحترفين الطاهرين الذين حافظوا على الأردن والتاريخ والكرامة، والذين ما زلنا نذكرهم نحن الذين نجيد قراءة التاريخ وكيف نحلل الأحداث.
وفي معركة الكرامة نستذكر كبرياء وعظمة مليكنا الراحل الذي رفض بآباء وشمم الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار، وأصر يرحمه الله على انسحاب إسرائيل من كل شبر من ترابنا الوطني المقدس الذي دنسته إسرائيل في معركة الكرامة وكان له ما أراد.
لقد كانت معركة الكرامة خاتمة لحقبة هزائم لننتقل الى مسلسل من الانتصارات أعادت الى الأمة روح الصمود والمقاومة بعد ان تمرغ وجود الأمة وكرامتها في هزيمة ٥ حزيران ١٩٦٧ ، الى ان جاء هذا الزمن الرديء الذي سقط فيه النظام الرسمي العربي وأخذت الأمم تتلاعب في مصير الشعوب العربية.
وفي الحديث عن هذه الملحمة علينا ان نعي دروس الكرامة وما يمكن ان يفعله الأردنيون لأنفسهم ووطنهم ومستقبلهم إذا أرادوا خاصة في ظل الظروف الرديئة التي يمرون بها الوطن من صراعات في الجوار ومؤامرات دولية ودسائس وتطرف وإرهاب.
وإذا كانت معركة الكرامة معركة عسكرية قاتل فيها البواسل من الجند والضباط فان معركتنا اليوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقتضي منا ان نكون جنودا كل في موقعه، وتحتاج الى كل التضحيات التي تحتاجها المرحلة، ولكل الكفاءات وكل المبدعين وكل القادرين على الوقوف في معركة البناء والإصلاح الوطني لنجعل من الأردن مثلاً يحتذى لكل الشعوب، وحصنا حصينا يقينا من الأعداء في الخارج، ومن الجاحدين المحليين أصحاب شعارات الخصخصة والعولمة الذين يسعون الى زراعة وصناعة واقع التخلف والفساد في مجتمعنا بكل ما أوتوا من قوة ثم يقومون بشتمنا وإدانتنا على هذا التخلف والتمزق وكأنهم ما زرعوه ولا صنعوه بأيديهم، إنهم صيادوا مكافآت وباحثون عن شهرة.
وبهذه المناسبة فنحن نقول لكل أبناء الأردن الحبيب الذين اثبتوا عبر الزمن انهم قادرون على العطاء ان وقت العطاء الكبير قد جاء وعليهم ان يُعلوا الهامات ويرفعوا الجباه عاليا كما عهدناهم.
بارك الله فيهم وحماهم وحمى الأردن في ظل قيادته الهاشمية.
* الكاتب عضو مؤسس لحزب الجبهة الأردنية الموحدة