عن أوروبا والإسلامفوبيا من جديد
توقف كثيرون عند المعركة الكلامية الساخنة التي نشبت بين القيادة التركية، وبين هولندا، مؤخرا، معتبرين أنها تدفع اليمين الأوروبي قدما إلى الأمام، فيما لم يتوقفوا عند قرار محكمة العدل الأوروبية المفاجئ، والذي أجاز لأصحاب العمل طرد أي موظفة بسبب حجابها.
الذي لا شك فيه أن قرار المحكمة إياها كان صادما للجاليات المسلمة في الغرب، بصرف النظر عما إذا كان سيطبق عمليا من قبل أصحاب الأعمال أم لا، مع العلم أن دراسة سابقة قد أثبتت أن فرص المرأة المسلمة الأوروبية في الحصول على وظيفة هي أقل بثلاث مرات من المرأة غير المسلمة، وتحدثت الدراسة عما أسمته (التحيز اللاواعي) في التمييز ضد المرأة التي ترتدي الحجاب أو تحمل اسما يظهر أنها مسلمة.
المشكلة في القرار المذكور هو أنه يشرعن التمييز ضد المسلمات، وبالضرورة ضد المسلمين عموما، فيما كانت ظاهرة اليمين، تنحصر في قطاعات معينة، ولا تتجاوزها إلى الأطر الرسمية، ربما باستثناء فرنسا، وحالات أخرى، بينما بقيت أكثر الدول على غير ذلك من حيث التعاطي الرسمي الذي يعتبر أي شكل من أشكال التمييز لونا من أشكال العنصرية.
وإلى جانب الإطار الرسمي كانت هناك قطاعات معتبرة من المجتمعات الغربية ترفض التمييز ضد المسلمين أيضا، لكن الموقف الآن يبدو في طور التغير على صعيدين؛ الأول الرسمي، والثاني المتعلق بصعود القوى اليمينية، وإن لم يكن من العسير القول إن الأول كان استجابة للثاني.
لا خلاف على أن للمسلمين دور في دفع المظاهر العنصرية ضدهم قدما إلى الأمام، وغالبا من خلال عمليات عنف سجلت باسمهم رغما عنهم، لكن المؤكد أيضا أن التعاطي مع ذات العنف يبدو عنصريا أيضا. وفي هذا السياق خرجت دراسة أمريكية تكشف كيف يتعامل الإعلام مع العنف الذي ينتسب إلى الإسلام بطريقة تختلف جوهريا عن تعاطيه مع عنف ينتسب إلى أديان ومذاهب أخرى.
البعد الآخر الذي أفضى إلى تصاعد موجة اليمين هو تدفق موجة اللاجئين، وهنا تبدو المفارقة الغريبة، إذا ما صلة الإسلام بهذا الأمر؟ فاللاجئون يأتون من دول شتى، وكثير منهم ليسوا مسلمين، وحتى لو كان بعضهم كذلك، فالأمر يتعلق بسياسات الدول الغربية التي سكتت على مجرم مثل بشار الأسد أدى إجرامه إلى تهجير الملايين، فضلا عن سياسات دعم أنظمة فاسدة نهبت شعوبها وأفقرتها.
لقد أصبحت الجاليات المسلمة في الغرب حقيقة واقعة، وهي كذلك منذ سنوات بعيدة، وهذه السياسات العنصرية ضدها لن تفضي إلا إلى مزيد من تناقض أبنائها مع المجتمعات التي يعيشون فيها، مع زيادة معدلات الفقر فيما بينهم، ومعلوم أن أحزمة الفقر تنتج العنف، بصرف النظر عن الدين، ومن يعرف حجم السجناء بين السود في الولايات المتحدة قياسا بالبيض يدرك ذلك (أربعة أضعاف).
أكثر العنف في الولايات المتحدة يرتكبه شبان سود، لكن أحدا لم يرفع صوته ليتهم اللون، وإن ظهرت ممارسات عنصرية في أوساط الشرطة ضد هذه الفئة، والتي تزيد في عزلتها وتناقضها مع المجتمع.
من المؤكد أن الرد بالعنف على سياسات الغرب العنصرية ضد المسلمين لن يزيد الطين إلا بلة، وكل العمليات التي تم تنفيذها كانت مرفوضة ومدانة من الجاليات ومن عموم الأمة، والدليل أن كل الدعوات التي أطلقها تنظيم الدولة للانتقام، لم يستجب لها سوى حفنة شبان من بين عشرات الملايين من المسلمين في الغرب.
إن عمليات عنف كالتي تابعناها ستدفع المتعاطفين مع المسلمين نحو اليمين أيضا (من يتبنونها لم يستفيدوا منها شيئا)، ومن الأفضل أن ينخرط أبناء المسلمين أكثر فأكثر في الحياة السياسية، والأعمال الإيجابية ما وسعهم ذلك، مع تقديم النموذج الأفضل المعبر عن جوهر دينهم، لكن الجانب الآخر الذي لا بد من التوقف عنده هو أن على الأنظمة العربية والإسلامية أن يكون لها موقفها من هذه الممارسات ضد الجاليات المسلمة، وتستخدم نفوذها وما لديها من لغة المصالح في الضغط، ولا يعقل أن تترك تلك الجاليات بلا سند في مواجهة تصاعد التمييز ضدها. من يسمع؟!!