2024-08-21 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

كتاب (نهر الأردن.. الدانوب): حوار الشرق والغرب

كتاب (نهر الأردن.. الدانوب): حوار الشرق والغرب
جو 24 :

بعد جملة من الكتب التي تناولت المكان الأردني والعربي، وتحديداً النهر وحواراته التي تؤنسن الكائن المائي، خصص رواق البلقاء ضمن مشروع كتاب نهر الأردن الدانوب بالتعاون مع وزارة الخارجية الأردنية والجامعة الأميركية بمادبا فصلاً بصرياً شعرياً لقصيدة محمود درويش «الدانوب ليس أزرق» التي تعيد ترتيب اللون على جناحي النهر، من خلال مقاربة الزمان والمكان والهموم في المنفى الذي يحتمل الحوار بين الشرق والغرب:
«هي لا تعرفه/ كان الزمان /واقفا كالنهر في جثّته /قالت له: /عندي مكان.
كان ذاك اليوم صيفيّا /وكان العاشقان /يستردان من الرّزنامه الأولى /حساب الشمس ،
كان الأمس والحاضر كان .. /هي لا تعرفه
قالوا لها: يأتي مع النهر /الذي يأتي مع الفجر /وكان التوأمان /ضفتي نهر.. يسيران معا /أو يقفان /وهما..لا يعرفان !..
كان ذاك اليوم حقلا /من ذبول وحنان /وعما يقتربان /ويموتان من الموت /ولا يلتقيان..
هي لا تعرفه /لكنها تشربه كالماء في رمل الزمان . /بعد عامين من الهجرة /في الهجرة /ماتا /في انفجار القبلة الأولى /وفي جثّته، كان الزمان /واقفا كالنهر في جثّته
قالت له: عندي مكان..»
وهو مسعى يتفق مع رأي المفكر الفرنسي غاستون باشلار الذي قال في كتابه، «جماليات المكان»: «إن المكان لا ينطوي على البيوت والأثاث ، فحسب، بل يحمل ذاكرتنا وأرواحنا وأحزاننا..»ويدون تاريخنا وملامحنا وصراعاتنا وإخفاقاتنا وخساراتنا».
ويقول الفنان التشكيلي الشاعر محمد العامري: من خلال متابعاتي واشتراكي في كثير من مشاريع الرواق وجدت أنه المؤسسة الأردنية الوحيدة التي تبحث في المكان كفعل تخصصي انتصر للمكان الأردني، كمشاريع نهر الأردن والدانوب، مادبا والقدس، العقبة ..وادي رم ومشاريع أخرى .
فالرواق بحسب العامري استطاع أن يبث في الأردن والعالم مناخاً ثقافياً مهماً عبر النصوص التي أنجزت والخاصة بالأمكنة الأردنية عبر ترجمتها إلى أكثر من لغة، إلى جانب الأعمال الفنية التي أنجزت ضمن تلك المشاريع ومجموعة الأنشطة الاحتفالية في الأردن والبلدان العربية والغرب .

الجغرافيا الثقافية
المادة الثقافية والفكرية والتاريخية كتبتها الدكتورة حياة عطية الحويك التي صدر لها «تاريخ الأردن»، وفق قراءة الجغرافيا ثقافياً بمنهج تقوم على الحفر والحرف، وترجم الكتاب إلى لغات البلدان التي تقيم على ضفاف الدانوب.
يقول خلدون الداوود إن سبب اختياراته للمشروع الحواري بين «الأردن « و»الدانوب»: العلاقة بين نهري الأردن والدانوب لا تتحدد بالمسافة الشاسعة بينهما، بل في المعنى الذي يحمله النهر من حياة، وتقارب بين الناس.
يضيف إذا كان الدانوب يمتد على جسد قارة، فإن ما يميز نهر الأردن أنه يشكل جناحي طائر لمكانين يسكنان قلوب الناس، هما الأردن وفلسطين التي تقع فيها القدس جوى القلب.
ويتابع الداوود شرح الفكرة، من هنا انطلق رواق البلقاء من الشعر إلى النهر إلى الفن والتاريخ إلى الحوار لكشف المخبوء بين الأشياء، متسائلاً عن هجرة طائر الكركي الذي يجيء في فصل الشتاء من ضفاف الدانوب الذي يمتد على أكثر من تسع دول أوروبية إلى نهر الأردن ليقيم على ضفاف بحيرة طبريا. مستدركاً على حافتي النهر ثمة جسور لعالمين ومكانين يتبادلان الهمس بلغة سرية، ينبغي على الفنان والكاتب والمؤرخ والسياسي أن يكتشفها. وعلى هذا المنوال كتب التشكيلي حسين نشوان نصه عن الجسر الذي يقيم على كتف الماء، ويحلم بالمدى مستعيراً نبض عشاق ذابوا، وحضارات تلاقت على جسد الجسر.

رؤى بصرية
ذهب رواق البلقاء في السؤال البصري والمعرفي من حدود البلاد العربية إلى أوروبا، هو حلم إنساني يتمثله رواق البلقاء لغيمة تقيم فوق الدانوب لتمطر في راحتي نهر الأردن. ليربط بين النهرين في كتاب يركز على حماية البيئة التي تتشابه في الفكرة، حيث يقيمان على خط بيئي واحد، ومن الطريف تشابههما في الأسماء والتقاء مصبهما في منتصف الكلمة التي تتشكل من اسم الأردن والدانوب jor dan uob..
يشارك في الرؤى البصرية فنانون من الأردن والبلدان العربية وبلدان الدانوب، منهم: محمد العامري، سروان، فادي الداوود، حسين نشوان، شادي الداوود، غاندي الجيباوي، حازم الزعبي، بيترا، لؤي الداوود،
إبراهيم الخطيب، هاني دلة ، ورالف ريستشك، ماريا بالا، سيرجي برلوف، مايلين رسموسين، وعدد من طلبة الجامعة الأميركية في مادبا.
ولم يكتف الفنان فادي الداوود بمتخيله لرسم العلاقة بين الموسيقار يوهان بابتيست شتراوس مؤلف سمفونية «الدانوب الأزرق» بل أقام نحو شهر في مدينة فينا، لمقاربة بين الموسيقى ومناخات النهر وبيئته وجماليات المكان وظلاله الثقافية والبصرية.
يقول القاص محمد جميل خضر إن الفنان خلدون الداوود من خلال مشروعه «مدن وكتب» يسرد بلغة العين ولغة المنتج الثقافي الإنساني، والمنتج الإبداعي الطبيعي الكوني بتضاريسه وجمالياته وجباله وسهوله ومياهه وصخوره ومختلف عناصره ومكوّناته، قصصاً عن التاريخ والجغرافيا والفعل الإنساني الإبداعي. مقترحاً وظيفة أخرى للكتاب المطبوع، لخلق حوارية جمالية بصرية بيئية بين المدن بعينها، وكذلك إيجاد صيغة توأمية مغايرة وغير تقليدية للمكان

ثورات المياه
فكرة النهر كما يقول خلدون الداوود: هي فكرة الماء والخصب والحياة، ما يحدث الآن في الوطن العربي هو أول البروفات من ثورات الماء وطوفانه، مشكلتنا في المياه، وحماية ضرع أمهاتها الأنهار. ورواق البلقاء استمد فكرة حماية المستقبل والإرث الإنساني والحضاري بوجوب الانتباه إلى دمج الفن في قضية تعزيز ثقافة البيئة .
وتوقف الداوود عند مصاعب جمة يواجهها رواق البلقاء في المشروع، منها: نصائح الأصدقاء من الكتاب والمثقفين والفنانين بالعدول عن فكرة التسرع لإنجاز المشروع، لكن الداوود يقول: إن هناك أموراً ملحة تواجه الثقافة والبيئة معاً، فالحفر والتنقيب عن الماء والحرف في اللغة والطاقة في اللون والحياة لا تقل أهمية عن الحفر والتنقيب عن البترول.
مشيراً إلى أن الماء باختصار هو الكون المقدس والحياة، «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، وهو مرجع المثقفين الذي تمثله السياب بطفولة:
مطر
مطر
مطر.
أضلاع النهر
الكتاب يقع في عدد من الفصول التي تضارع الحياة على أضلاع الأنهر:
1-فصل الموسيقى: بالمقابلة بين الدانوب الأزرق لشتراوس، وجسر العودة للرحابنة وفيروز.
2-فصل الطائر: طائر الكركي الذي يهاجر سنويا من الدانوب إلى ضفاف الأردن.
3-فصل السمك الذي هو مصدر للناس، وتنسج حول السمك الكثير من الأساطير ..
4-فصل القداسة: بين الآية الكريمة والمغطس ومرور الأنبياء والإسراء والمعراج
5-فصل القارب: بداية صناعة القوارب على ضفاف النهر مع رجل ليبي كان يصنعها من جلود الحيوانات
6-فصل الأسطورة: لماذا كل هذا العدد من الديانات والأساطير التي هبطت ونمت على ضفاف النهر.
7-فصل القصب/ الحلفا: نبات الأنهر الذي يصنع منه الورق ودون ذاكرة الإنسان وتاريخه، والسؤال: ألم يكن الإنسان الأول على وعي من أن الناي من القصب، والقصب هو ابن النهر، ما الذي يجعل المفكر أو المزارع يلتقيان في أمسيات الشتاء يصنعان أدوات الموسيقى، ألم تكتب الحروف على طين النهر وفخاره، ألم تبن ِ الطيور أعشاشها على أشجار النهر؟!
8-فصل الصلصال: كانت صناعة الفخار والخزف مجاورة لحياة النهر، كان القدماء يعجنون الطين والماء لمادة الحياة، والمعروف أن فكرة الخصوبة التي تعادل الحياة تتمثل في الطمي الذي هو أكثر المناطق خصوبة وحياة.

رمزية الماء
يتوقف الداوود عند رمزية نهاية مصب الدانوب قائلاً إنه ينتهي في البحر الأسود، لافتاً إلى الرمزية بين النهرين بقوله إن نهر الأردن يصب في البحر الميت.
وتساءل بعد اكتشاف مخطوطات البحر الميت، وما أقيم بجوار النهر من حضارات وما دفن تحت مياه البحر، داعياً إلى الكشف عنها، ومنها: سادوم وعامورة.
ويقول إن الفنان الباحث استعاد الرقيم بصرياً من خلال إعادة انتاج وتأهيل «المخطوطات» بالفن، مؤكداً أن المتحفية تنهض بأفكار وروح العالمية وتجددها دائما، مستدركاً ولحماية الأنهر وتاريخها من الدمار الذي يتهددها بيئيا وحضاريا، داعيا الى أن يبحث الجميع في هذا الزمن الصعب -على حد قوله- عن قواسم مشتركة تجمع من الحكايات والقصص والصور والشعر والموسيقى مما أبدع الإنسان على مر التاريخ وعبر فيها عن روحه المحبة للحياة والجمال.
وتساءل الداوود، هل نستطيع أن نؤسس لفكرة التقاء الحضارات من خلال التقاء الأنهر؟ وهل ندرك أن ما يحزن نهر الأردن يجد صداه في قلب الدانوب، هل سألنا طيور الكركي عما تحمله تحت أجنحتها من رسائل في زيارتها للأردن، الا تكفي أسئلة الحياة والبيئة لإنشاء منظومة فكرية تعاونية تخرج الجميع من مأزق حوار الحضارات الذي بين أيدينا من خلال مد جسور التواصل.
ويقول الناقد السينمائي ناجح حسن إن هذه الكتب التي يصدرها الرواق تسرد اشتغالات حكاية الطبيعة بعين وذاكرة سينمائية كشاهد على بيئة متأصلة بموروث جمالي خصب، تؤشر على مدن قديمة وحضارات قديمة، تتعالق فيها الصورة الفوتوغرافية واللوحة التشكيلية وحروف الشاعر كوثيقة في التقاطاتها الأثيرة لتفاصيل الحياة وما شكلته من أخاديد على وجوه وجماعات حاضرة في الذاكرة .

الجسر سرير العشاق
ناياب دباغ مهندسة معمارية عراقية، تقول إن الجسر: تحدٍ، نصف الحكاية، حالة من التواصل بين طرفي المكان، وهو أهم من الحب، والجسر يمثل رمزاً. والجسر تقول: مشهد متخيل لسرير عاشقين ، ليس مجرد خط يسقط على الورق بالنسبة للمعماري والفنان، بل هو التصاق مقوس ، أنثوي، يشبه قزح، وهو يمثل السعادة يشبه علامة النصر، مساحة للتأمل، مطلق مساحة للحرية، والجسور جدران لتعليق النذور والامنيات في عدد من البلدان، الجسور تهتز وترقص تحت أقدام المارة، والجسور هي عالم في المتخيل كما صورتها بحيرة البجع، تفصل بين الخير والشر ، الجسر هو كون منفصل متصل.

حنين النهر
يقول الداوود إن أقدم الحضارات والمدن التي أقيمت كانت بجوار الأنهر، ومنها أريحا، طبقة فحل، والشاعر خلدون جاويد كتب نصاً عن الدانوب يتساءل إن كانت الأنهر تملك مثل الحنين الذي يكنه لها.
والسؤال، ما هي مسؤولية المثقف والشاعر والفنان والمؤرخ والسياسي في اكتشاف تلك العلاقة؟.
النهر ذاكرة، محبرة وقلم يتدفق بالكلام، يقول الداوود: النهر يحمل ذكريات العشاق والشعراء وكذلك أثر سنابك الغزاة والطغاة ، وتأملات العظماء، ألم يكتب جلجامش حروف أسطورته على ضفاف النهر وعلى طينه المشوي، النهر ابن البلدان، له أكثر من أم وله جيش من الأبناء والأحفاد.
مدير إدارة التطوير والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية الأب مجدي السرياني قال: إن الرواق يحمل مشروعاً حضارياً وجمالياً يتفق مع رسالة الجامعة في المعرفة والحوار؟
ونهر الأردن ، هو النهر الذي يحمل تاريخ القداسة، وحول النهر وعلى ضفتيه قامت كل الديانات، والمنطقة تمتاز بمكانتها الدينية والتاريخية، وهي نقطة التقاء الأرض والسماء، أما الدانوب فهو صفحة في كتاب أوروبا التي تشابكت في التاريخ مع جناحي نهر الأردن لتقوم حوارية بين النهرين في التاريخ والجغرافيا والحضارة.
وكان من الرائع أن يفكر فنان مثل خلدون الداوود والرواق بترجمة ذلك في كتاب، ومن هنا كانت الشراكة بين الجامعة والرواق، وهي شراكة نعتز، ونؤمن بها.

سيرة الأنهر
الداوود قال إن الرواق يخلص لمشروعه الذي يتصل بالأنهر وحوارها، لكنه لا يستطيع أن يمسك بأرديتها كلها، ولا يستطيع أن يذهب بعيداً في ماضي وسيرة الأنهر، لكنه يحاول كأي عاشق أن يلتقي محبوبته في لحظة شعر.
النهر، يقول الداوود، هو أنا وأنت وهو في الأصل الغيم، داعياً كل الفنانين العرب الى زيارة النهر والحوار معه، ربما يُسر له ما لم يفصح به، ويشارك رواق البلقاء بهذه الفكرة الأسطورة. مختتماً دعونا نحتفل على ضفاف النهرين.
يختم الداوود، النهر: هو أنا وأنت.

تابعو الأردن 24 على google news