رفع خدمة أساتذة الجامعات لسنّ 75 بشكل مفتوح
د. انيس خصاونة
جو 24 :
كما هو معلوم بأن سن الستين هو العمر المعتمد لأغراض التقاعد في معظم الأجهزة الحكومية والعامة في الأردن ،وهذا العمر أي عمر الستين لم يأتي جزافا أو عشوائيا بل جاء بناءا على ما استقرت عليه معظم أنظمة العمل والتقاعد المدني في العالم بشقيه العام والخاص. صحيح أن ارتفاع المستوى الصحي والمعيشي للناس قد زاد من التحسن في أوضاعهم الصحية، كما رفع من المعدل والمستوى العام الحياة للأفراد ، وأطال في أعمارهم إلا أن ذلك يصعب اتخاذه قاعدة وأساسا لرفع سن التقاعد آخذين بالاعتبار ارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب ، ناهيك عن حاجة وحق الأفراد للتمتع بما تبقى لهم من سنوات قليلة في الحياة بعد سن الستين ، إضافة إلى أن طاقات الكثيرين ممن تجاوزوا هذا السن تكون قد استنفذت وكثير منهم يبدأوون بالمعاناة من أمراض مزمنة تحد من قدراتهم على العمل والتركيز واتخاذ القرارات.
الجامعات الأردنية ،وانطلاقا من قلة حملة الشهادات العليا من خريجين جامعات معتبرة بمستوياتها العلمية والتعلمية، فقد أتاحت أنظمتها لأعضاء الهيئة التدريسية بالاستمرار بالعمل لغاية سن السبعين .وإن كان لهذه الميزة أو الاستثناء في حينه ما يبرره من عدم قدرة هذه الجامعات على تغطية تكاليف الإحلال (Retention rate)والمحافظة على أعضاء عيئة تدريس بسوية عالية فإن زيادة هذه المدة إلى سن الخامسة والسبعين وبشكل مفتوح كما جاء في توصية مجلس التعليم العالي لمجالس الأمناء ربما لا يخدم الجامعات ولا يرفع من سوية التعليم العالي في الأردن وذلك للأسباب التالية:
1-أن الأوضاع الصحية لمعظم أعضاء الهيئة التدريسية بعد سن السبعين تبدأ بالتراجع السريع ،لا بل فإن بعض المدرسين تبدأ المعاناة الصحية قبل سن السبعين حيث تبدأ قدراتهم في التراجع كما تلمس انخفاضا ملحوظا في مستوى طاقاتهم الجسدية وأحيانا الذهنية وتبدأ علامات النسيان وضعف التركيز وفقدان الدافعية وبوادر أمراض السكري والضغط وضعف السمع تظهر عليهم بشكل جلي. تجربة الجامعة الأردنية في هذا المضمار قبل عقد ونيف من زمن لم تسجل نجاحا ملموسا لا بل فقد كانت من أكثر التجارب إخفاقا إذ أن الدكتور خالد الكركي رئيس الجامعة آنذاك أراد حسب اعتقاده أن يعيد للجاامعة ألقها عن طريق إعادة تعيين أساتذتها الكبار القدماء الذين كان لهم بصمات في تاريخ الجامعة .والحقيقة أن هؤلاء الأساتذة الكبار لم يكن معظمهم يستطيع إكمال محاضرته لأسباب صحية كما أن بعضهم كان يدخل على محاضرة ويشرع بتدريس محتويات مادة أخرى. من جانب آخر فإن تجربة إحدى الجامعات كانت مماثله حيث اضطرت ادارات الجامعة المتعاقبة إلى التوقف عن تعيين ممن بلغ سن السبعين وذلك بناءا على معلومات راجعة عن مستوى الأداء وملاحظات أخرى تتعلق بسوية العملية التعليمية.
2-أن استمرار أداء أعضاء الهيئة التدريسية لسن الخامسة والسبعين لن يتيح للجامعات تجديد دماء كوادر التدريس فيها وضخ دماء جديدة من الشباب المؤهلين الذين اطلعوا على أحدث ما وصل إليه العلم والتكنولوجيا. إن زيادة السن المسموح به لأعضاء هيئة التدريس الاستمرار في الخدمة يعني أن كثير من هؤلاء المدرسين مضى على تخرجهم ما بين 35-40 عاما وهذا يعني أن معلومات ومهارات الكثير منهم ستميل إلى التقادم لا بل فإن بعضهم ممن أتيح لي الإطلاع على أدائهم أصبحوا يعلمون طلبتهم أشياء أكل الدهر عليها وشرب وأصبحوا يدرسون الجانب التاريخي في علومهم بدلا من ملامستهم للمستجدات والتطورات الحديثة . كثير من المدرسين ممن وصلوا إلى رتبة الأستاذية لم يكتبوا بحوثا أو يحضروا مؤتمرات لمسايرة المستجدات في علومهم وتخصصاصتهم.
3-التجديد في الجامعات والخطط الدراسية وأعضاء هيئة التدريس قضية محورية في تقدم الجامعات ونعتقد أن زيادة السن المسموح به للعمل في الجامعات إلى 75 سيحرم الجامعات من القدرة على التجديد والتطور والدافعية لتحقيق معدلات نوعية أفضل في مجال البحوث والتدريس وخدمة المجتمع.بمعنى آخر ستميل جامعاتنا إلى أن تصبح أقل شبابا وأكثر كهولة وتدريسها نمطي ولنتصوركيف يمكن أن تكون دافعية عضو هيئة التدريس الذي مضى على خدمته 35 عاما إلى استخدام أساليب جديدة ونماذج تعليمية وأمثلة عصرية وواقعية!!!
نعتقد أنه على مجالس الأمناء أن لا تذهب لإقرار السماح باستمرار خدمة أعضاء هيئة التدريس لسن الخامسة والسبعون وبشكل مفتوح. ويمكن أن يتم استقطاب أو الاحتفاظ ببعض أعضاء الهيئة التدريسية ممن يشهد لهم بالأداء المتميز والملائمة الصحية بشكل انتقائي عن طريق ما اصطلح على تسميته "أساتذه الشرف" أو أي اسلوب يساعد على الاختيار الانتقائي وحسب حاجات الجامعة والتاريخ الوظيفي والتعليمي للمدرس.