النكسة والذاكرة الأردنية
بعد خمسة عقود على حرب حزيران، من المفيد أن نعرف كيف تناولت الذاكرة والأعمال التارييخة الأردنية حدث الحرب. وبداية نجد أن المذكرات الأردنية لم تتوصل أن تكتب تاريخاً للنكسة، بقدر ما قدمت سرداً للوقائع، وأفضلها تفصيلاً كان حديث الملك الحسين في كتاب» حربنا مع اسرائيل» (دار النهار 1968)، بما قدمه من تفاصيل مهمة، ولكن مذكرات وحديث العسكر الأردنيين (أمثال يوسف كعوش ومشهور حديثه الجازي وفهد مقبول الغبين وغيرهم) تظهر البون الشاسع بينهم وبين قيادتهم العربية ممثلة بعبدالمنعم رياض. ويشير الساسة ورجال الحكم امثال نذير رشيد وجمال الشاعر وغيرهم إلى أن الظرف الداخلي الأردني عشية النكسة كان صعباً، مع ما زامن ذلك من هجوم عربي مصري سوري تجاه الأردن وما رافقه من توجيه بوق احمد الشقيري ضده ايضاً، وقد زاد الأمر تعقيداً بعد استقالة حكومة وصفي التل وتشكيل حكومة سعد جعمة التي لم يكن رئيسها مشغولاً بالحرب أكثر من انشغاله بضرروة مصالحة الأردن لمصر.
الجهد التاريخي لتوثيق النكسة قليل أردنياً من حيث وجود اعمال تاريخية، هناك جهود للدكتور علي محافظة، تناول فيها النكسة في ثلاث مناسبات علمية الأولى «فلسطين في الفكر العربي المعاصر»، بحث في كتابه، أبحاث في تاريخ العرب المعاصر، (عمان 2000)، و»حرب حزيران وآثارها على العرب»، وهي محاضرة ألقيت في 7/6/2006م، في بلدية إربد. وعالج محافظة النكسة أيضا في كتابه عن «موقف ألمانيا من الوحدة العربية وأثر حرب حزيران على الموقف الألماني (بيروت، 2002). ومن الدراسات المهمة عن حرب حزيران دراسة د. سمير مطاوع، «الأردن في حرب حزيران»(عمان 1987). وكذلك دراسته بعنوان: «الوضع القتالي على الجبهة الأردنية في حرب 1967» في كتابه، أوراق سياسية من زمن التيه والنكسات. وربما هناك جهود أخرى قيمة لكني لم اطلع عليها.
بالتركيز على المذكرات نجدها بالجملة تعترف بالمسؤولية والنتيجة التي آلت إليها الحرب، ولم يجامل بها الأردنيون أو لم يسعوا إلى تلطيفها، أما سبب دخولهم حرباً عرفت نتيجتها مسبقاً أو كانت محسومة ومدركة بالنسبة إليهم، وأن دخولها كان بداعي حفاظهم على ضرورة العمل العربي المشترك وتجنب تهمة الخيانة لاحقاً في حالة الهزيمة، فهذا أمر لا يمكن قبوله منطقياً، لكن الأردن تصرف بعاطفة وبحماسة دون تفكير جدي بالنتائج التي جعلته الخاسر الأكبر من الحرب.
ليست النكسة في المذكرات الأردنية حدثاً عادياً، بل حملت بعدها مباشرة نتائج سياسية وعسكرية انتهت بصعود حركة المقاومة والعمل الفدائي والذي قاد لمعركة الكرامة في آذار 1968 والتي بينت أن العقيدة القتالية الأردنية تعافت واستطاعت بتعاون الحركة الفدائية والجيش العربي من استعادة الثقة مجدداً.
لكن ما كشفته النكسة أن غياب وصفي التل عن المشهد، أدى إلى نتائج كارثية، فقد كان يعارض التقارب مع مصر والذي قاد للهزيمة، وكان يرفض الذهاب لمعركة في حالة من الاستعداد الهش، ولم يكن معنياً بالصلح مع مصر على حساب النتيجة الوخيمة التي تحققت وهي النكسة، وهذا على عكس رئيس الحكومة سعد جمعة الذي افصح أنه «لم ينم مرتاحاً» إلا بعد الصلح مع عبدالناصر.
إن الظروف التي قادت الأردن للحرب، مختلفة عن التي أدت بمصر وسوريا إليها، لكنها في النهاية جعلت الأردن طرفاً أضعف لأنه كان الخاسر الأكبر، الذي راح لاحقا بعد قمة الخرطوم في آب 1967 بالتفكير بشكل جلي ببحث سبل استعادة ما فقده بشكل منفرد وباقرار من القمة التي أقرت ما يلي:» لا حرب، ولا قيود على الاتفاق مع اسرائيل لاسترجاع الأرض، ولا سلام منفصل دون موافقة».
في الختام، لم تحدث النكسة تغييراً في البلدان العربية الأخرى التي دخلت الحرب كما حدث لها من نتائج على الأردن، لكنها كحدث مفصلي فتحت الباب للأردن ليبحث عن حل مناسب يعيد له ما فقده من أرض ونصف شعبه، وكان ذلك بفتح باب السلام الذي تأخر حتى منتصف التسعينيات من القرن العشرين، وهو خيار لم يُعد شيئاً ولم يحقق لا عودة للأرض ولا لللاجئين.