التعليم العالي المعركة مستمرة؟
د. مهند مبيضين
جو 24 :
باهتمام كبير تلقى الأردنيون قرارين من دولتين شقيقتين بخصوص اعتماد الجامعات الأردنية لغايات الابتعاث في الاردن، وهي قرارات سيادية تخص تلك الدول الشقيقة، وتنظيم سوق العمل فيها، والحفاظ على جودة الدراسة لطلابها وفقا للمعايير المعتمدة بها.
دعونا نتذكر أن الأردن كان يشترط الإقامة لسنة كاملة ولأكثر لاجل معادلة الشهادات العلمية في الدراسات العليا، وهو منطق مماثل لمنطق الدول الشقيقة بطلب الاقامة او الدراسة الكاملة غير المكثفة، بالنسبة لطلابها، وكانت مشكلة الاقامة ببلد الدراسة مطلبا اردنيا ثقيلا غالبا على الأردنيين.
وايضا نتذكر بأن الأردن حين يُقرر اعتماد جامعات عربية او غير عربية لغايات المعادلة، فإنه يرسل لجنة من وزارة التعليم العالي لفحص امكانيات تلك الجامعات وقدراتها، وقد أُرسلت وفود اردنية لجامعات في الخليج العربي ليقرر الأردن ما إذا كان الاردن يقبل اعتمادها ام لا، مع ان تلك الجامعات قليلة العدد وفيها كل التجهيزات والمباني العملاقة التي تفوق تجيهزات جامعاتنا، ولم يقل قطري او بحريني او كويتي ان هناك مسًّا بالسيادة من طرف الأردن.
معنى هذا أن المسألة ليست خضوعا لاحد، ولا قبولاً بالتنازلات ولكل دولة حقها في اختيار الأفضل، وقد ذهبت لجان اردنية إلى الصين وبلغاريا واوكرانيا وتركيا لاعتماد الجامعات فيها، ويحدث في كل بلد ان يتكدس طلاب دولة ما، في جامعة معينة لاسباب عديدة، والمسألة ليست شراء شحنة سيارات او اجهزة كهربائية انها علم وتعليم.
المشكلة أن الأردنيين اطلقوا العنان للخيال، والتفكير بان هناك ضغوطاً سياسة والبعض ربطها في صفقة القرن، وهذا غير معقول من دول علاقتنا بها ممتازة، والاهم ان نتذكر بأن التعليم العالي الأردني اجرى العديد من التقييمات وأن هناك ملحقيين ثقافيين زاروا وزارة التعليم العالي الاردنية وقدموا ملاحظاتهم واخذوا بالمقابل ملاحظات أردنية من وزارة التعليم العالي التي قامت بعملها باكمل وجه.
ليس الاردن بلدا سيئ السمعة علمياً، فلدينا جامعات متميزة، وليس الخريج الاردني ضعيفا بل هو منافس في دول الخليج، وليست جامعاتنا دكاكين، صحيح ان هناك اخطاء وتحديات، لكن لسنا بالسوداوية التي يجري تصوير الوضع بها، ولو أن مجالس الامناء تراقب عمل الرؤساء بشكل فعّال، ولو ان تلك المجالس اصلا فاعلة لكان الوضع افضل، وكانت الحاكمية منتجة وليست مجرد كلام مصفوف داخل مكاتب الجودة.
الاردن قوي بجامعاته، التي تُخرج آلاف الخريجين، من خيرة أبنائه، نعم لدينا ضعف في الانسانيات، لكننا اقوياء في العلوم والطب والهندسة والحاسوب، نعم لدينا مشكلة قيادات لكن ليس لدينا أيضا نهج لبناء صف ثانٍ في المؤسسات، واخطر مشاكلنا ضعف الدراسات الانسانية.
ليس الامر متعلقا بوفد سافر لتسويق الاردن في الخارج كما حلا للبعض ان يشط في تفسير اسباب القرار الكويتي، ولم يقل أحد بأن قطر كانت العام 2017 تعترف بعدد محدود من جامعتنا ورفعته عام 2018 لمواجهة تحدي ازمتها السياسية، واليوم الطلبة الذين شكلوا آنذاك مشكلة بترحيلهم من مصر وغيرها من دول الخليج، تم تأمينهم في الاردن، وجرى اعادة النظر بالقرار السابق وقلصت الجامعات لغاية ست جامعات، لكن من قُبل وبدأ الدراسة سيستمر بقية اعوام دراسته، ومعنى هذا ان العمل يجب ان يكون على تجويد التدريس لهؤلاء المبتعثين وادخالهم اصعب الاختبارات واساليب التعليم ليكونوا خير سفراء لجامعاتنا لا ان يعطوا معاملات خاصة.
الحديث عن قراري قطر والكويت اليوم أثار الكثير من الأسئلة، لكن الاجوبة يجب ان تكون بالمزيد من الرقابة على الجامعات والخطط الدراسية وتفعيل الرقابة الداخلية ومحاسبة المخطئين لكي نكون بخير وحال أفضل.
خلاصة المشهد لدينا اليوم 14 جامعة من افضل جامعات العالم العربي. و 40 ٪ من اعضاء هيئة التدريس خريجو جامعات عالمية. ولدينا 42 الف طالب وافد من 105 جنسيات عالمية. ونتيجة لعمل الوزارة فقد رفع عدد جامعاتنا المعتمدة في قطر من 6 الى 13 بجهودها في التواصل. وعام 2018 استشعرت الوزارة توجه الكويت فأخبرت الجامعات الاردنية بذلك وكان ثمة جهد ما مع الوزير الكويتي بأن يرسل لجنة تقييم جديدة.
ولدى دول الخليج جامعات خاصة تريد حصتها من الابتعاث الوطني فهناك منافسة. وهذا كله ادعى لان نراجع سياساتنا.
في النهاية معركة اصلاح التعليم العالي لا تقل عن التعليم العام الذي كانت وما زالت مناهجه تحتاج لنفل وتحديث في العصب المغذي لادمغة المؤلفين، والنتيجة سؤال في الثانوية العامة يثير القلق عن كلمة «ميزة» أو «مزية»، هل هذا المطلوب؟ وهل ضاقت النصوص والمناهج إلا عن مثل هذا النوع من الأسئلة؟ أما التاريخ ومناهجه فلها قصة قادمة ومقام آخر.