الثقافة القانونية في وجه التحرش
محكمة أردنية تقضي بحبس شاب ثلاثة أشهر وتغريمه الفا وخمسمئة دينار لتعديه لفظيا على فتاة جامعية وتحرشه بها أثناء مرورها من مكان عمله أمام بوابة الجامعة، ولمثل هذه القرارات ترفع القبعة للفتاة صاحبة الشكوى وللقضاء.
لا أعتقد نهائيا بان الشاب سيعاود الكرة مرة أخرى مع أي فتاة في حياته، لانه أدرك بان القانون لا يتساهل في مثل هذه الأمور حتى ولو أن تصرفه لم يتعد التجاوز اللفظي على الفتاة، لكن لو حُلّت الأمور بتطييب «الخواطر» فلن يتحقق الردع المطلوب، كما حققه القرار القضائي.
هذه الفتاة الشجاعة التي لم تتردد نهائيا باللجوء الى القضاء، رغم قناعتي بممارسة ضغوط عليها لاسقاط الشكوى من أطراف عديدة، الا أنها أصرت على اكمال خطوتها التي برأيي شكلت درسا لكثير من الشباب ممن يستسهلون القاء كلماتهم النابية تجاه المارة من الفتيات والسيدات، ودرسا آخر للفتيات والسيدات بان القانون هو الطريق الوحيد لتحصيل لحقوق.
الدرس الأهم في هذه القصة، هو الدعوة الى أهمية تعميق الثقافة القانونية لدى الفتيات بان ما يمارسه شبان على الطرق، هو مخالفة صريحة للقانون وليس عرفا اجتماعيا يجب السكوت عنه، والرضوخ لمفاهيم وممارسات اجتماعية تدخل في باب «العيب» بان دخول الفتاة الى مركز أمني «محرم» حتى وان كانت صاحبة الحق.
كان بامكان الفتاة اللجوء الى عائلتها مثلا، ولكن نهاية هذا السيناريو معروفة للجميع، فقد يدخل اقرباؤها من الشباب في شجار مع الشاب وتحصل أمور لا يحمد عقباها، يمكن أن تصل لا سمح الله للايذاء أو القتل في بعض الاحيان، فيضيع الحق وسط هذه التصرفات اللاعقلانية، لكن الفتاة ضربت مثالا وأنموذجا محترما في ترسيخ مفهوم التحضر ولجأت الى القضاء الذي أعطاها حقها وحق الفتيات من أمثالها بالكامل.
ان السكوت على الايذاء اللفظي يعمق قضية التحرش في مجتمعنا، واللجوء للعنف في حل مثل هذه القضايا يزيد من حجمها ولا يقللها، لكن تعميق الثقافة القانونية لدى الشباب والفتيات مجتمعين، سيساهم بلا شك في حصر هذه الظاهرة المؤرقة لكثير من الفتيات والسيدات، بل قد يكون كفيلا بالقضاء عليها، خلال السنوات القادمة.
ضعف الثقافة القانونية لدى قطاع واسع من المجتمع، السبب الرئيس في انتشار كثير من المظاهر السلبية والتحرش أحد هذه المظاهر، لذلك يجب أن تفكر وزارة التربية والتعليم جيدا بادخال الثقافة القانونية ضمن خطط المنهاج الدراسي في السنوات الدراسية الثلاث الأخيرة للطلبة.
من غير الثقافة القانونية لن يكون لدينا جيل من الشباب والشابات قادر على المساهمة في بناء مجتمع يحكمه القانون، خاصة اذا تركت هذه الفئة التي تشكل ثلاثة أرباع المجتمع الاردني حبيسة للتقاليد الاجتماعية والأعراف التي تشكل أساس تكوين الانسان الاردني، بل يجب المزاوجة بين كل ما هو ايجابي في هذه التقاليد ونصوص القانون الوضعي الذي يضمن قيام علاقة صحية بين أفراد المجتمع من جهة وبين المجتمع والدولة من جهة أخرى.
الشباب بحاجة الى ثقافة قانونية، حتى تتوقف كثير من المظاهر السلبية، أهمها العنف في المجتمع، والعنف الجامعي، والتحرش اللفظي بالفتيات، ونبذ التعصب الطائفي والجهوي والمناطقي، وفي الوقت نفسه تعرفهم بحقوقهم السياسية والمدنية وأهمية هذه الحقوق في بناء مجتمع ديمقراطي يحترم الفتاة في المنزل والشارع والجامعة والمؤسسات وفي أروقة العمل السياسي.