«خليها تعنس».. فكاهة مؤلمة
«هي تاج راسك» كان رد الأردنيات، و»خليك في دار أبوك» رد السوريات، وأخيرا كان رد المصريات «خليك في حضن أمك» على حملة «خليها تعنس» التي كانت حاضنتها الأولى شباب مصر وما فتئت أن أصابت عدواها مجتمعات عربية خلال أيام تعبيرا عن ارتفاع المهور وتكاليف الزواج.
الحملة وانتشارها كان يؤخذ في أغلبه بطابع كوميدي، حتى في تناولها عبر وسائل الإعلام، لكن في حقيقة الأمر فان هذه الفكاهة تؤشر الى قضية مؤلمة يعاني منها الشباب العربي ذكورا واناثا في ظل تردي الواقع الاقتصادي والمعيشي للأسرة العربية بغالبيتها، ومنها الشباب والأسرة في المجتمع الأردني الذي شهد العام الماضي وفق أرقام رسمية نحو 72 حالة طلاق يوميا ونحو 223 حالة زواج يوميا، وفق آخر الاحصائيات.
الشاب مظلوم والفتاة أيضا مظلومة في كثير من المجتمعات العربية، ذلك أن ظروف الشباب محكومة بأمور كثيرة أولها البحث عن فرصة عمل، مستوى الدخل في حال توفر فرصة العمل، العادات والتقاليد التي تفرض عليه رعاية أسرته الصغيرة وأسرته الممتدة، ناهيك عن متطلبات الزواج وتكاليفه بعيدا عن ما يطلبه أهل الفتاة حتى لو لم يكن لهم أية مطالب.
الظلم واقع أيضا على الفتاة، فهي تريد زوجا يضمن لها استقرارا اسريا قوامه في هذه الأيام الدخل المادي للزوج في ظل ما يفرضه الواقع الاقتصادي والمعيشي، ناهيك عن محاولتها المواءمة بين مطالب أسرتها التقليدية واستطاعة الشاب قدر الإمكان، فكلفة الزواج بحد ذاتها مرتفعة حتى لو تساهل الأهل مع الشاب المتقدم لخطبة ابنتهم.
الخطورة في حالات الطلاق، وحسب ما تشهده سجلات المحاكم الشرعية، وما يتناقله العامة، هو صعوبة الظروف النفسية التي تعانيها الأسرة بعد الزواج، جرّاء ما رتبه على نفسه الشاب من ديون وقروض يصعب معها استمراره في رعاية أسرته، وتترجم تلك الضغوطات النفسية الى مشاكل وأزمات بين الزوجين تتشعب فيما بعد الى قضايا أكبر يكون نتيجتها الطلاق وضياع الأطفال.
حقيقة، لقد شهد المجتمع الأردني مؤخرا ارتفاعا في مستوى وعيه بضرورة تسهيل الزواج، لكن هذه التحسن بطيء، حيث ما تزال هناك أسر تدفعها العادات والتقاليد الى التمسك بأمور تشكل كلفة اضافية على الشباب، علما بأنه يمكن الاستغناء عن هذه الامور وقصرها على بدائل متاحة أقل كلفة لا تشكل ضغطا نفسيا على الأسرة الجديدة بعد انتقالها الى منزلها.
كل أسرة أردنية تحتضن شبابا وشابات، وهي لديها صورة كاملة عن ما تعانيه في حال ارادت تزويج ابنها أو ابنتها، ولا تحتاج الى من يذكرها بضرورة تسهيل الزواج في الحالتين اذا ارادت لأبنائها حياة مستقرة بعد الزواج، واعتقد ان أسرا اردنية كثيرة تدرك هذه الأمر وهو واضح تماما في السنوات الأخيرة في ظل تآكل الدخل وتراجع المستوى المعيشي للمواطن، لكن المطلوب ان نكون أكثر وعيا اذا اردنا لأبنائنا وبناتنا ان لا يعودوا لمنزل أسرتهم في المستقبل القريب.