بروتوكول إعلامي رسمي
قيل الكثير حول تعاطي الجهات الرسمية والحكومية مع حادثة اطلاق الحارس الاسرائيلي النار على مواطنين أردنيين وقتلهما، واتفقت الأراء على أن هناك تقصيرا واضحا في ادارة دفة الأزمة كما حدث في قضية الجفر ومن قبلها قضية الاعتداء على مبنى المخابرات العامة في البقعة وفي حادثة الارهابيين الذين استهدفوا مواطنين عزلا في الكرك.
القاسم المشترك الأكبر في الملاحظات التي أبداها الكثيرون هو التقصير الحكومي الواضح في التعاطي مع وسائل الاعلام خلال الأزمات، فسواء كان هناك بعد أمني لاي حادثة أو لم يكن، فعلى الاعلام الحكومي أن يكون حاضرا حتى لو لم يمتلك معلومات كافية، فالظهور السريع والمتكرر يمكن أن يعالج أي قضية اذا تم وضع الجمهور في الصورة أولا باول، اذا فان الصورة الاعلامية مرتبطة بالاداء وليس بكمية المعلومات التي ستتضح في النهاية لا محالة.
التخوف الحكومي من الظهور أمام وسائل الاعلام أو التعاطي معها هاتفيا غير مبرر، فليس المطلوب من المسؤول الاعلامي الحكومي أن يمد وسائل الاعلام بمعلومات دقيقة مع بداية الحدث، لكن مطلوب منه أن يمدها بما هو متوفر لديه وعدم انتظار اكتمال الصورة الكاملة لتقديمها للجمهور كما حدث في المؤتمر الصحفي الذي دعا اليه الناطق الرسمي باسم الحكومة للحديث حول جريمة السفارة الاسرائيلية.
أعتقد أن المؤتمر الصحفي الذي عقد لم يقدم جديدا سوى سعي المشاركين فيه من الوزراء الى نفي كثير من الشائعات والأقاويل التي انتشرت خلال الأزمة التي استمرت يومين وسط صمت حكومي مطبق اقتصر على ثلاثة بيانات صدرت عن الأمن العام، لكن ما يجب أن تدركه الحكومة بان حاجتها لمؤتمر «النفي» لم تكن ضرورية لو كان هناك أداء اعلامي جيد يتعاطى مع الأزمة وهو الآداء السلبي نفسه المسؤول عن كثرة الشائعات.
بغض النظر عما تمخضت عنه نتائج الجريمة في السفارة الاسرائيلية، والسماح لمجرم (دبلوماسي) بقتل مواطنين أردنيين ومغادرة الأرض الأردنية بعد الانجاز التاريخي بـ»التحقيق» معه، فان الأداء الاعلامي الرسمي بحاجة الى مراجعة تامة تكفل عدم اغلاق الهاتف في وجه الصحفيين، والظهور فجأة في مؤتمر صحفي بعد انتهاء كل شيء للقيام بدور «الميسر» للحضور، اضافة الى عمل بروتوكول اعلامي رسمي يمكن أن يتبع في حالة وقوع احداث مستقبلا لا سمح الله، يتم من خلاله توزيع الأدوار كما حصل في ادارة دولة الاحتلال الاسرائيلي لذات الأزمة.
ألم تدرك الحكومة حتى الآن بان مسألة «اكتمال التحقيقات» ليس مبررا لتغييب الجمهور الأردني عن أهم القضايا، وألم تع بان هناك ضعفا في الأداء الاعلامي عند التعاطي مع الأزمات التي تحدث بين الفينة والأخرى، وانها بحاجة الى مراجعة شاملة تكفل انشاء خلية أزمات اعلامية تجنب الحكومة الانتقادات الشعبية في كل مرة، وتقنع الجمهور بان من حقه معرفة ما يجري في وطنه من وسائل اعلامه وليس من وسائل اعلام معادية.
باختصار، غيبنا يومين عن حدث مهم يحصل على الأرض الأردنية، وسواء كان تغييبنا مقصودا أو ضعفا في الأداء الاعلامي الرسمي، لكن وسط هذه الحالة اضطر أغلب المراقبين والصحفيين والمتابعين الى استقاء معلوماتهم من وسائل اعلام دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تعمل بشكل ممنهج يبرر جرائهما، وأعتقد أن هذه المسألة كافية لدفع لحكومة للتفكير مستقبلا بحماية الجمهور الأردني من أي تضليل اعلامي فما بالك عندما يكون المصدر هو اعلام القاتل نفسه.