هل نحن ومؤسساتنا بخير؟
د. عمار سليم الخوالده
جو 24 :
ملاحظة: هذه وجهة نظر في شأن عام وارجو ألا يغضب أي من اصدقائي أو معارفي في الواقع والعالم الافتراضي على حد سواء
ان يعتدي موظف أو موظفون كبار في جامعة كاليرموك مثلا على حق انساني اصيل كالتعليم لطالب شاءت تقادير المولى ان تسطع قدراته الذهنية متحدية قيود الجسد البالي، فأمر اقل ما يقال فيه انه معيب ... أن يصل الجهل ببعض إداريي مؤسساتنا الأكاديمية أن يضربوا بالقانون عرض الحائط فأمر جلل ... وأن يكون تجاهل المادة 21 من قانون "حقوق الأشخاص ذوي الأعاقة" لعام 2016 "لا يجوز استبعاد الشخص على أساس الاعاقة أو بسببها من مؤسسات التعليم العالي أو حرمانه من دراسة اي من التخصصات المتاحة فيها ..." أن يكون ذلك وجهة نظر فأمر تذرف من قسوته الدموع.
الاشد وقعا على النفس أن الظلم لم يرفع حتى اتصل "بعض الاخيار" من الناس ب "بعض الطيبين" من مسؤولي الجامعة دون أن نرى تجسيدا للمؤسسية بالاعتراف بالخطأ أولا وتقديم اعتذار ثانيا ثم أن تلزم الجامعة كبار موظفيها إن لم يكن كلهم أن يتلقوا "تدريبا خاصا" بالموضوع ذي الشأن فتمنع تكراره وتجسد نموذجا لمؤسساتنا الأخرى أن تحذو حذوها لا أن تمعن الجامعة بتعزيز اعاقاتها الادارية ب "الطمطة" على الموضوع وكأن شيئا لم يكن.
الأمر ليس حكرا على اليرموك فقد وصف، من ذي قبل، وفي مشهد حزين بائس، أحد كبار مسؤولي الجامعة الأردنية الطلبة المعتصمين إحتجاجا على رفع الرسوم الجامعية أن منهم متعاطون للمخدرات وشاربون للخمر أو المشروبات الروحية كما سماها، وزاد أن "ذبحتونا" تروع الطلبة وتثير الفتنة والقلاقل ... تكرر المشهد مرة أخرى عندما وصف مسؤولون كبار في الجامعة الهاشمية أحد من فصلوه من ناشطي الطلبة والمطالبين بحقوقهم بتنفيذ أجندة خارجية وضاق صدرهم بحرية التعبير التي كانت الجامعات مهدا لها في كل بقاع الأرض وعلى مر العقود والقرون ... طبعا لم يكن الأمر أحسن حالا إبان حالة الفوضى التي صاحبت العراك الطلابي في جامعات مختلفة كآل البيت ومؤته والاردنية وغيرها حتى وصل الأمر إلى اراقة الدم الحرام في مواضع مختلفة.
وفي إطار حديثنا عن مؤسسات التعليم العالي فلقد سرني رؤية بعض البنود الايجابية فيما عرضه وزير التعليم العالي قبل أيام على أنه إستراتيجية للتعليم العالي في الاردن لكن خيبة الأمل جاءت عندما أورد الوزير بندا من بنود "الاستراتيجية" يقضي بتوحيد إستثناءات القبول الجامعي تحت مظلة واحدة وهو أمر يبدو للوهلة الأولى إيجابيا إلى أن تقرأ مصاحبة ذلك للتوسع في "المكرمات" كجزء من الاستراتيجية نفسها مما يجعل من ذلك "مأسسة" للجور وغياب العدالة فأرقام القبول على أساس الاستثناءات في الجامعات الأردنية مرعبة وكان حريا بواضعي الأستراتيجية أن يوجهوا الموارد لردم الكوة بين مدارس المدن الكبرى وتلك التي في الارياف والبوادي بدل أن يتوسعوا بالاستثناءات فالخلل لا يعالج بخلل مثله وغياب العدالة عن المدارس "الأقل حظا" لا يعالج "بالمكرمات" بل بوضع خطة عمل واضحة ومحددة للنهوض بالمدارس المنكوبة و رفدها بالموارد البشرية والتعليمية ... عندها تسقط الحاجة للتوسع بالاستثناءات التي سماها الوزير تجميلا "مكرمات" ... أما أن تقنن إضعاف المدخلات عن طريق التوسع بالمكرمات فما جدوى ما تفعله بعد ذلك من ايجابيات؟ إذا لم تكن مدخلات التعليم الجامعي جيدة فلن تكون المخرجات أحسن حالا.
نماذج التفكير البالي تلك والتي تحكم سيطرتها على مواقع مهمة في مؤسساتنا الأكاديمية ليست فريدة أو محصورة فيها فمؤسسات المجتمع المدني كالنقابات المهنية مثلا لها حظها الوافر من "رداة الحظ" ... فقد كنت وانا المغترب عن وطني استمع ذات يوم لبرامج الصباح علها تنثر بعضا من عبق تراب ارضنا الطاهرة في أثير هذا الكون الواسع فأتنشق منه نسمة تحيي القلب وتزكي الروح ... لكن أحلامي لم تطل فعندما اتصل مقدم برنامج صوتك حر حسام الغرايبة بنقيب المحامين آنذاك (والذي انتهت ولايته منذئذ) طارحا عليه سؤالا إنفجر النقيب غضبا واغلق الهاتف بوجه ... تصوروا ... رأس إحدى أهم مؤسسات المجتمع المدني يضيق ذرعا بسؤال ويستبدل الحوار بالغلظة وعدم احترام الآخرين؟ أي حال وصلنا إليه واي خطب ألم بنا يا هؤلاء؟
طبعا لا احتاج لتذكيركم بموقف نقابة الأطباء المشين، ليس بمهاجمة من سجل فيديو الطبيب المدخن (وانا لا أكن إلا الاحترام لشخص الطبيب) فحسب، بل بتهديده ورفع دعوى قضائية عليه ... إذ بعيدا عن الاسلوب الاستفزازي للمصور إلا أن المركز الصحي مكان عام وهو ممول (ولو جزئيا) من دافعي الضرائب فكيف لنقابة الأطباء أن تسوغ لنفسها إهانة الشعور الجمعي لنا كمواطنين بدفاعها عن تصرف لا يمكن لاحد أن يفتخر به؟ لا أحد ينكر حق النقابة كما غيرها باللجوء إلى القضاء لكن الذوق العام يقتضي أن لا تقف هذا الموقف المحزن كما وقفت من قبل عائقا أمام قانون المساءلة الطبية الذي يهدف إلى حماية المرضى من الاهمال وعواقب الأخطاء الطبية التي لا يجد ضحاياها لهم نصيرا ... وقد رأينا قبل أيام كيف وصل الحال بإحدى الدكاكين الطبية أن تضع جثة طفل في ثلاجة "منزلية" في سابقة تثير الاشمئزاز والحزن معا.
لقد روى أستاذ جامعي أردني وقور تجربته في إستخراج "البطاقة الذكية" في إحدى دوائر الأحوال المدنية في منطقة اربد وقد عانى الأمرين من أجل حفظ دوره الذي اعتدي عليه من قبل مواطنين مراجعين وموظفين في الدائرة على حد سواء حسب روايته ... شكى لمدير الدائرة ما جرى وتساءل عن عدم إستخدام قسائم الدور (الأرقام) فرد المدير أن بعض الناس صاروا يتاجرون بها وان "المزاحمة على الدور والطوابير هي الأفضل لشعبنا" ... يا للحزن ... أهذا ما نرجوه من مؤسساتنا الخدمية؟ ولم يكتب علينا أن نستخرج "بطاقاتنا الذكية بهذه الطريقة الغبية؟ ... ثم ألا يدرك "أصحاب القرار" أن اجبار الناس أو حثهم على تغيير بطاقاتهم كلها في وقت محدود كما رأينا سيخلق ذات الأزمة ومشكلاتها عندما تنتهي كل هذه البطاقات وفي وقت متقارب؟ هل نفكر في العواقب والآثار المترتبة على اتخاذ قرارات غير مدروسة أم أن الأمور "سارحة والرب راعيها"؟
أنا أدرك أن هنالك الكثيرين من الخيرين والمتعلمين في مؤسساتنا لكن الطيبة والعلم وحدهما ليسا كفيلين بتحقيق المراد بل لابد من ترسيخ قواعد المؤسسية حتى لا يتأثر سير الأعمال الأساسية في أي مؤسسة بمغادرة شخص أو تولي أخر لزمام الأمور وهو أمر نفتقر إليه بكل أسف حتى في هيئاتنا التطوعية فلقد شاهدت عن كثب من خلال إنخراطي الشخصي في بعض هذه الهيئات التطوعية مدى الاستهتار بقواعد المؤسسية والتنظيم الاداري الوازن و لمست كيفية العمل على إحكام السيطرة "الذكية" والخفية على مفاصل القرار والهيمنة عليها مع الاقصاء الناعم للآراء المخالفة واصحابها واهمال نقاط القوة و التنوع في قدرات الفريق ... وهو أمر قد لا يكون مقصودا لذاته لكنه قد يكون نابعا من خلفية النشأة الادارية لكثير منا وعدم قدرتنا على تصور أن هنالك آخرون قد يكون في تجاربهم وخبراتهم ما هو أفضل.
سأريحكم من الحديث عن الفشل الذريع والتخبط في إدارة الأزمات وتهالك الأستراتيجيات الاعلامية في مؤسسات الدولة فأنتم تعرفون كيف جرت "المقادير" في جريمة السفارة واحداث الكرك و "رادارت هرقل" وحادثة الجفر وغيرها لكن المتمعن في النماذج سالفة الذكر يرى أن العار الذي الحقه "صناع القرار" بنا كاردنين بموقفهم المشين في جريمة السفارة لم يأت من فراغ ... فعندما يتعامل كثير من القائمين على مؤسساتنا الأكاديمية والمدنية معنا كمواطنين باستخفاف فلا تتوقعوا من "صناع القرار" أن يكونوا مختلفين ... معضلاتنا وامراضنا الادارية تنخر في هياكل الدولة كلها وان لم يتم تدارك ذلك بنية صادقة وارادة حقيقية لاحداث تغيير جذري بكيفية إدارة مؤسساتنا على اختلافها فلن نكون أحسن حالا في قابل الأيام.