اذا اردتم الاصلاح فارفعوا صوتكم ولا تصمتوا
د. عمار سليم الخوالده
جو 24 :
هذا ما صدحت به حنجرة الملك عبد الله الثاني بن الحسين قبل اسابيع في لقائه بمجموعة "منتقاة" من الشباب الجامعي الاردني وقد تحدث اليهم بصراحة ملفتة للنظر وكرر نداءه مرات عدة، انْ عليهم ان ينبروا للاصلاح و مسيرته دونما خوف او وجل ...لذا، واستجابة لندائه الكريم فإني مدلٍ بدلوي غير آبه بقوى الظلام التي تحيط به والتي آلت بالاردن الوطن الى ما آلت اليه من فقر وفاقة اقتصادية و سياسية ومجتمعية، فأصبحت الاردنية الشماء والاردني الشامخ يستجدون ذل الدعم وفتات المكرمات وكأن مصطفى وهبي التل لم يقل يوما
سيمت بلادي ضروب الخسف وانتهكت ....... حظائري واستباح الذئب قطعاني
وراض قومي على الاذعان رائضهم .......... على احتمال الاذى من كل انسان
مولاي شعبك مكلوم الحشى وبه ............. من غض طرفك و [النسيان] داءان
لقد صدح صوت الملك بمكانته الدستورية التي لا يختلف عليها واقعيا اي منصف بنداءاته المتكررة خلال اللقاء وغيره مناجيا شباب الاردن، ان هلموا لنجدة الوطن والمنافحة عنه ... و إنا لملبون ... فالوطن سفينته قد رمت بها المدلهمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج في ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج احدنا يده لم يكد يراها ... وسلطان الفساد قد طغى فاستعلى، وسهام المتربصين كثرت واشتد سعيرها، فإن لم ننافح عن وطننا بكل ما اوتينا من قوة، شعبا و حكومة و ملكا فمن ذا الذي يفعل؟
وبما اننا لا نشك ان الملك يعني ما يقول و يقول ما يعني ولاني شخصيا معني بالدور الدستوري للملك فأحترمه ويتملكني الغيض عندما يساء اليه، فإني رافع صوتي استجابة لندائه الكريم مطالبا وكثير من المواطنين باصلاح حقيقي غير ذر الرماد الذي رأيناه من الدولة الدولة في الأعوام القليلة الفائتة
أولا: الدستور وتعديلاته
لقد أسس دستور 1952 لحالة متقدمة، وان لم تكن مثالية، عمادها التوازن بين السلطات ... الا ان السنون الخداعات قد فعلت فعلها به فتم "تعديلة" وبإيحاء من قوى الظلام المحيطة بالملوك مرات ومرات شكلت في كثير من مفاصلها اعتداءات خلخلت بنيان الدولة المتين وجعلت وقوع كثير من النوائب التي نشهدها اليوم ممكنا لانها في جزء منها، نزعت التحصين الذي منحه دستور 1952 للهيئات التشريعية الرقابية والقضائية، كجعل حل مجلس الأعيان أو اعفاء أحد من اعضائه ممكنا، بعد أن لم يكن في الدستور الأصلي، مما افقد هذا الكيان الدستوري استقلاليته واصبح عودا طيعا وخاتما باصبع السلطة التنفيذية.
وهي (أي التعديلات) في جزء آخر منها، سلبت كثيرا من صلاحيات مجلس الوزراء، صاحب الولاية التنفيذية العامة دستوريا لتوضع بيد الملك مباشرة ودون تنسيب وهو امر اول المتضررين منه مكانة الملك الدستورية التي نغار عليها ونحترمها. فعندما يمارس الملك، أي ملك للاردن، حاضرا أو مستقبلا (وهو بشر يخطئ و يصيب) صلاحيات التعيين المباشر في المناصب العليا كقيادة الجيش والمخابرات والدرك ورئيس المجلس القضائي ورئيس المحكمة الدستورية وغيرها و دون تنسيب مجلس الوزراء فان ذلك يوقع تبعات اخفاقات من عينهم مباشرة على قراره بالتعيين، وقد تجلت كثير من هذه الاخفاقات في السنوات القليلة الفائتة باحداث مؤلمة للاردنيين راح ضحيتها ثلة من أبناء الأردن الأوفياء في الجيش والاجهزة الأمنية المختلفة، فهل يليق ذلك بالمكانة الدستورية للملك والتي لا يكاد يماري فيها غالبية الاردنين؟
ثم إن تركيز السلطة في يد فرد واحد مهما علت منزلته وسمت أخلاقه ينافي المباديء العامة للدولة المدنية التي ينادي بها كثير من أبناء وطننا الحبيب ومنهم الملك نفسه كما رأينا في اوراقه النقاشية فكيف تسعى قوى الظلام المحيطة بالملك إلى خرق أبجديات الشراكة في تحمل المسؤولية لتتضع ما لم يكن يمارسه الملك دستوريا في يده فتجعله عرضة للنقد بعد أن حصنه الدستور الأصلي بإلقاء المسؤولية على كاهل الوزراء حتى أن الدستور نص في المادة 49 على أن "اوامر الملك الشفوية او الخطية لا تخلي الوزراء من مسؤوليتهم
ثانيا: الولاية التنفيذية العامة
رغم أن السلطة التنفيذية مناطة بالملك حسب المادة 26 من الدستور إلا أنه "يتولاها بواسطة وزرائه"، أي أن مجلس الوزراء ذا المسؤولية التضامنية هو صاحب الولاية التنفيذية العامة وهو الذي يتولى حسب المادة 45 من الدستور "مسؤولية ادارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد او يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور او اي قانون الى اي شخص او هيئة اخرى".
نحن نعلم علم اليقين أن الدستور أو أيا من القوانين السارية لم يعهد إطلاقا إلى الديوان الملكي كمؤسسة، بمسؤولية إدارة أي من شؤون الدولة داخليا أو خارجيا ... فلم تتوسع "مؤسسة" الديوان، والتي لا تملك اية صفة تنفيذية دستورية، بالتدخل في كثير من مفاصل القرار كتشكيل الحكومات والضغط على مجلس النواب عند التصويت على تشريعات معينة أو نية اتخاذ قرارات مهمة أو الضغط الرقابي على الحكومات؟ ولم أضحت "مؤسسة" الديوان الملكي محجا لطالبي الاعفاءات الطبية ومقاعد الجامعات والاعفاءات الجمركية وغيرها من الأمور المناطة بمجلس الوزراء والذي يتولى الملك السلطة التنفذية بواسطته؟
ثم إن تضخم "مؤسسة" الديوان دورا وهيكلية قد حدا ببعض من ليسوا أهلا للمسؤولية لتحويل موقعهم الوظيفي في هذه المؤسسة التي يرتبط اسمها بالملك إلى سيف مصلت على العباد وحرياتهم التي صانتها المادة 8 من الدستور "لا يجوز أن يقبض على أحد أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته إلا وفق أحكام القانون." ... ولقد شهد الاردنيون ركاكة محزنه وهشاشة فظة في منطق كثير ممن تولوا مسؤوليات "عظام" في هذه المؤسسة تجلت في ثقافة "القلابات" و "الغنم" وغيرها ... وقد شهدت بنفسي مدى الاستعلاء عندما صلى بجانبي رئيس الديوان قبل عامين في مسجد قصر الصفا وقبالة كعبة الله المشرفة فسلمت عليه فلم يتكلف عناء الرد أو الالتفات (أنظر مقالتي "في الحج والسياسة وادارة الدولة الأردنية") مما يوحي بثقافة استعلائية نربأ بمؤسسة الديوان عن الوقوع في براثنها
لقد آن الاوان أن تعود مؤسسة الديوان إلى دورها الأساسي االقائم على خدمة الملك وتوفير الدعم اللوجستي له لتيسير قيامه بمهامه الدستورية لا أن تتحول هذه المؤسسة إلى حكومة ظل علوية تقوض الدور الدستوري لمجلس الوزراء صاحب الولاية التنفذية العامة وتتغول عليه.
ثالثا: الانتخابات نزاهة وتشريعا
ليس سرا ان الانتخابات البرلمانية والبلدية في أحايين عدة لم تكن دائما نزيهة حتى ان مسؤولين سابقين كبارا اقروا بذلك على الملأ...
ان العبث بإرادة الشعب تزويرا لانتخاباته هو من ابشع انواع الفساد والذي يرقى من وجهة نظري الى حد خيانة المسؤولية ... فمن يتجرأ على تزوير ارادة الناخبين لا يمكن ان يؤتمن على اي من شؤونهم ... لذا فلا معنى لأي اصلاح لا يضع آليات راسخة غير قابلة للاختراق لضمان نزاهة الانتخابات دون الركون الى وعود الحكومة و "كلمتها"، فهي لم تعد ذات وزن.
ولقد آلت قوى الظلام "اياها" على نفسها ألا تكتفي بالتزوير الفعلي بل لجأت الى اسلوب اقل كلفة بتبعاته السياسية المباشرة فعبثت بالتشريعات الناظمة للانتخابات البرلمانية حتى وصلنا في احدى المراحل الى اعتماد دوائر وهمية انتجت مجالسا هشة سياسيا فقوانين الانتخابات التي"دبرت بليل" ضمنت ضعف المدخلات فكانت مخرجاتها هزيلة رثة.
لقد افضى بنا ذلك العبث التشريعي الى بنية تشريعية ركيكة كان يمكن ان تكون رديفا قويا مستفلا لجهود الملك في رفضه الضغوط الخارجية في مسألة القدس وغيرها من مسائل السياسة الخارجية لكنها لم تكن كذلك كما برهنت الاحداث ... ولقد عميت قلوب اولئك الذين اتخذوا من العبث بقانون الانخابات ديدنا لهم، إذ لم يكن حصيفا البتة ان تسعى بعض القوى داخل الدولة لتحقيق اهداف تكتيكية على حساب الاهداف الاستراتيجية الكبرى للدولة المتمثلة برعاية حياة سياسية ناضجة مزدهرة بوجود معارضة وطنية صلبة وبأطيافها المختلفة. لكن تلك القوى آثرت ان تنجز اهدافها قصيرة النظر بمحاربة فصائل فكرية تنظيمية معينة بسلسلة تكتيكات ادت الى تفتيت البنية المجتمعية بتنمية الولاء للعشيرة والجغرافيا على حساب الولاء الاكبر للوطن والذي يوفر لنا هوية جامعة نستفيئ بطلها جميعا.
رابعا: المناصب العليا والتوريث
إن من أكثر الأمور إثارة للحنق عند الاردنيين هو اغتصاب غير المؤهلين للمناصب العليا توريثا وتنفيعا وتجارة حتى أصبح هذا النهج من ثوابت السياسة الاردنية الداخلية وهو أمر نحزن لرؤيته وتتفطر قلوبنا لعجزنا عن درئه ... هذا أمر نأمل أن يستأصل شأفته الملك اليوم قبل الغد، فلقد بلغ الامر بكثير من كبار المسؤولين أنهم لم يعودوا يأبهون لغيض الاردنيين من سياسات التوريث المقززة حتى أنهم باتوا يدافعون عن تنفيعات ابنائهم علانية ودونما تورية ... لذا فإن من اهم اركان الاصلاح ان تعتمد الكفاءة في التعيينات وان نطوي صفحة التوريث والمحسوبيات، فلقد سئم الاردنيون هذه المعزوفة المزعجة كما سئمها من قبل مصطفى وهبي التل بقوله
إليكها عن ابي وصفي مجلجلة .................. [دون إنتقاص] وما قولي ببهتنان
رفعت كل وضيع لا يقام له ......................... الا بسوق الخنا وزن بميزان
هلا رعيت جزاك الله حرمتنا ........................... هلا جزيت تفانينا بإحسان
خامسا: مؤسسات التعليم العالي
لم يكن تأسيس جامعات مختلفة وكثيرة في ربوع الوطن الجميل أمرا سلبيا بحد ذاته فهي بالاضافة للبعد التعليمي يمكن أن تخدم أبعادا تنموية شتى ... إلا أن فلسفة إقامة جامعات "مناطقية" سددت سهما أصاب تلك الفكرة في الحشا ... كان يجب أن تكون جامعات "الأطراف" جامعات استراتيجيات وطنية بعيدا عن "المحاصصة" و"الترضيات" أو أن تكون ظلا للقبيلة أو مرعى لإ بلها
أما إن عدنا إلى الصورة الكبرى لواقع التعليم العالي في الأردن فالامر يدعو إلى الحزن ... فلقد بتنا مهووسين بالتصنيفات العالمية للجامعات حتى تلك التي يدعو الاستشهاد بها للسخرية والحزن كما رأينا غير مرة ... لقد كتب كثير من أبناء الأردن المخلصين في واقع التعليم العالي فأجادوا إلا أن المسكوت الأكبرعنه في تعيينات المناصب العليا في جامعاتنا هو التدخل الأمني غير الموفق في شؤون هذه المؤسسات التي ينبغي أن تكون حاضنة لاجيال المستقبل الخبيرة في شوؤن البلاد المختلفة من سياسة وقانون وعلوم هندسية وطبية وتربوية وغيرها ... هذا التدخل حرم الجامعات من كفاءات فذة كان يمكن أن تأخذ بيدها نحو مزيد من التميز والعطاء ودون النظر لخلفية هذه الكفاءات الفكرية أو السياسية ... فعندما يتعلق الأمر بالوطن فكلنا شركاء بالمغرم والمغنم ... وبدل أن تكون الجامعات مهدا لتجاذب الأفكار وتنميتها أضحت ومن خلال التعيينات الأمنية لرؤسائها ولعمداء شؤون الطلبة فيها، أضحت مؤسسات تلقينية لا يدري رئيسها متى يباغته ملك الموت السياسي أوالأمني
لقد حان وقت اللحاق بركب العالم المتقدم، ففي كل جامعات الدنيا المعتبرة يعين الرؤساء والعمداء والمسؤولون بآليات شفافة ومعروفة للجميع ... فلا داعي لاعادة إختراع العجلة في هذا الشأن بل لنطبق ما هو متعارف عليه من آليات معروفة تجعل من يأتي من خلالها خاضعا للتقيم الصلد خلال التعيين وبعده في إدارة شؤون مؤسسته دون تدخل أو ضغوطات.
سادسا: صلاحيات الحكام الاداريين
لا يمكن فهم اعطاء الحاكم الاداري صلاحيات حجز حريات المواطنين وخصوصا بعد العرض على القضاء هكذا و دون ضوابط واضحة ومعايير شفافه إلا في إطار تغول السلطة التنفيذية على القضائية ... فلقد رأينا كيف تعسف حكام اداريون في إستخدام صلاحياتهم بتوقيف أو حبس مواطنين كان القضاء قد برأهم أو كفلهم ومنهم صحفيون واصحاب مواقف سياسية وفكرية مختلفة ... وشهدنا مرات متكررة كيف تجرأ بعض الحكام الاداريين على رفض الخضوع لقرارات قضائية وكيف تعدوا على حق الاردنيين الدستوري في الاجتماع ومنعهم المحاضرات والنشاطات السياسية أو الفكرية المختلفة إستنادا لقانون منع الجرائم لعام 1954 وتعديلاته.
لقد آن الاوان أن ننعتق من نير تهديد صلاحيات الحكام الاداريين بعضها والتي تتنافى مع أبسط قواعد حقوق الانسان فلا بد من اعادة النظر بقانون منع الجرائم وما فيه من ضبابية تجعل حجز حرية المواطنين امرا يخضع لمزاجية الحاكم الاداري واحيانا للضغوط التي تمارس على الحاكم الاداري من قبل قوى معينة في الدولة ... فحجز حرية الأشخاص أمر ينبغي أن يكون مناطا بالقضاء وما يتفرع عنه لا أن يكون سيفا مصلتا على رؤوس اصحاب الآراء السياسية المختلفة
سابعا: خضوع العسكري والامني للسياسي
في كل دول العالم المتحضر يخضع العسكري والامني للسياسي ... غير أن الامني في الاردن يدير السياسي من وراء الكواليس وعلى التلفون في كثير من الأحيان، في "سر" بات مكشوفا لكل ذي بصيرة ... فالناظر إلى دولة كالولايات المتحدة مثلا يرى أن مسؤولي "الإف بي آي" خاضعون تماما لسلطة "وزير" العدل وهو مدني ذو سلطة حقيقية ... كما أننا نرى رؤساء السي آي إيه والإف بي آي وكافة مسؤولي الدولة (مع بعض الاستثناءات للرئيس) خاضعين لسلطان الكونجرس فيطلبونهم للادلاء بشهاداتهم أو التحقيق معهم أو في جلسات إستعلامية دون أن يجرء أحد على الرفض ... بل إن أعظم جيوش الأرض، جيش الولايات المتحدة الامريكية قائده الأعلى مدني يتوسل الناس اصواتهم وقت الانتخابات الرئاسية ثم لا يلبث إن إنتخب أن يكون هو صاحب السلطة على الجيش فيخضع له جنرالاته ويتلقون أوامرهم منه أو من وزير دفاعه المدني ... فهل نتعظ؟
هذه جملة من الأمور آثرت أن البي بطرحها دعوة الملك الكريمة أن لا نصمت فننادي بالاصلاح تحت مظلة حرية الرأي التي كفلها دستورنا الأردني ... فشكرا له على دعوته الكريمة وندائه لنا لخدمة وطننا الحبيب باسماع أصواتنا لذوي الشأن الذين نأمل أن يستمعوا لنا With an open mind