ما بعد انتخابات اللامركزية
من خلال اطلاعي على الآراء والمناقشات المختلفة سواء في المجالس أو الندوات، وجدت أن أغلبية الشعب الاردني لا يستوعب بشكل كامل حتى الآن مفهوم اللامركزية، وكيف تعمل، وما هو دورها، وعلاقتها بالمجلس التنفيذي بالمحافظة والدوائر الحكومية الاخرى.
يجب ان لا تعول الحكومة كثيرا على من سيتم فرزهم من قبل الشعب لتمثيلهم في مجالس المحافظات، من ناحية ادراك دورهم ومهامهم ووظائفهم في الموقع الجديد الذي لم يسبقهم اليه أحد قبل الان بحيث يستفيد من تجاربه، مع ملاحظة عدم اطلاع الأغلبية على قانون اللامركزية وآلية عمل تلك المجالس المحددة بالقانون.
أغلب الناخبين أو حتى المرشحين يعتقدون ان مجلس المحافظة لا يتعدى كونه استنساخا للمجلس التنفيذي الذي يرأسه المحافظ وتتشكل عضويته من مدراء الدوائر في المحافظة، بل هناك من يعتقد بان المحافظ هو من يرأس المجلس الجديد، وهذه مسائل هامة يجب عل الحكومة الاهتمام بها أكثر من اهتمامها بالترويج لآلية الانتخاب والتصويت.
من تجربة سابقة في العمل البرلماني، فان بعض النواب الجدد كانوا يعانون من مسألة عدم الاطلاع على التشريعات الناظمة للعمل البرلماني في الاردن، مما يعيق حركتهم داخل أروقة مجلس النواب ويحد من جهودهم حتى وقت متأخر بعد ان ينهلوا من تجارب من سبقهم وينخرطوا عمليا في ماكينة التشريع والرقابة.
فاذا كان هناك ضعف في الاطلاع على العمل التشريعي في الاردن، رغم عقود من التجارب البرلمانية المختلفة، فكيف يمكن ان يكون حال منظومة اللامركزية خلال العام الاول من تجربتها، وكيف يمكن ان تكون النتائج المتوقعة في الاداء، اذا كان الاغلب يعتقدون بان مجلس المحافظة هو وحدة واحدة مع المجلس التنفيذي فيها.
اذا اردنا ان ننجح تجربة اللامركزية، فيجب على الحكومة والهيئة المستقلة للانتخابات عدم رفع يدها بمجرد انتهاء الانتخابات وفرز الأعضاء وتشكيل المجالس، بل يجب عليها مرافقتها في تجربتها الاولى للسنوات الاربع المقبل، بحيث يتم تزويد المجلس بموظفين اداريين او تشكيل امانة عامة لكل مجلس من ذوات مطلعين على الدستور والقوانين، واعداد برامج تدريبية للاعضاء لتوضيح قانون اللامركزية والية عملهم وصلاحياتهم وادواتهم في انجاز عملهم.
اعتقد ان السنة الاولى من تطبيق اللامركزية كفيلة بالحكم على نجاحها او فشلها، وفي حال تشكلت المجالس وتركت دون متابعة لمعالجة نقاط الضعف اينما وجدت، فقد يكون مصير التجربة الفشل وهذا ما لا نريده بعد سنوات من المخاض أدت الى اخراج هذه المنظومة الجديدة الى النور.
اعتقد أن من الأهمية بمكان الحرص على التشبيك بين أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس المحافظة، من خلال لقاءات متكررة تهدف الى اقرار اليات للتعاون وفرز الادوار المنصوص عليها في قانون الانتخاب وقانون اللامركزية لكل منهما، ذلك ان الانسجام والتعاون بين هاتين المؤسستين ان صح التعبير، عامل رئيس في انجاح تجربة اللامركزية الى جانب أهمية التشبيك أيضا مع البلديات والمجالس المحلية في كل محافظة لضمان عدم التداخل والتناقض وانما اكتمال الادوار.
والأهم من ذلك كله، يجب ان يكون هناك دافع ورغبة ذاتية لدى أعضاء مجالس المحافظات الذين سيتم فرزهم في كل محافظة وخاصة الاجيال الشابة منهم بعد منتصف الاسبوع الحالي، رغبة بتطوير خبراتهم والإصرار على انجاح تجربة اللامركزية الاولى في الاردن.