خلود الخطاطبة تكتب : عجز وموازنات
النائب خلود الخطاطبة
جو 24 :
الا تعتقد الحكومة ان المواطن يرزح تحت ظرف مالي صعب، الا تدرك بان الأسر الاردنية أضحت تبيع كل ما تملك من أجل لقمة الطعام والتعليم المدرسي والجامعي، ألا تدرك بان أسعار المحروقات في الاردن حاليا هي الأعلى بين دول العالم حتى الدول الفقيرة بهذه الثروة.
الا تدرك بان انتشار حالات النصب وارتفاع عدد القضايا المالية في المحاكم وحجوزات البنوك على مساكن مواطنين وسياراتهم، سببها تغير كبير في البنية الاقتصادية الاجتماعية، وألا تتفكر قليلا بالارقام المعلنة من قبلها والتي تشير الى ان نحو 70% من دخل الاسر الاردنية من حصة البنوك.
يبدو أنها لا تدرك ذلك، وتصر على ان التصحيح الاقتصادي لا يتم الا بالارتكان الى جيوب المواطنين، لكن السؤال هل بقي في جيوب المواطنين ما يمكنها من الارتكان اليه، بعد أن تم رفع أسعار التنازل للمركبات لأسعار تفوق التصور، ورفع قيمة ترخيص السيارات السنوي ورفع أسعار المحروقات الى أسعار قياسية، وارتفاع ايجارات الشقق، والمواد الاستهلاكية، وكل هذا يجب ان يسدده المواطن طبعا من نسبة 30% التي تتبقى له بعد اقتطاعات البنوك.
سعي الحكومة للتمهيد لتحصيل 450 مليون دينار جديدة من جيوب المواطنين لتسديد عجز الموازنة، مكشوف تماما للمواطنين حتى لو تم تغليفه بمصطلحات كبيرة مثل 'برنامج التصحيح الاقتصادي' و 'ضبط الانفاق' و'تثبيت المديونية' التي وصلت الى نحو 95% من الدخل القومي الاجمالي، كل ذلك لا يمكن أن يبرر الاعتماد على جيوب المواطنين المهترئة لمرة اخرى.
العقلية في ادارة الملف الاقتصادي في الاردن على مدى حكومات سابقة، هي السبب في وصول المواطن الاردني لما وصل اليه من ضنك العيش وعدم قدرته على الايفاء بالتزاماته المالية الى درجة وصلت فيها النساء الى السجون بسبب ذمم مالية مترتبة عليهن، فالعقلية تقوم بشكل أساس على تسديد أي عجز سنوي من المواطن، رغم عدم وجود أي تطور على مكافحة البطالة أو حتى رفع رواتب الموظفين.
بالطبع في أي مجتمع تكون الحكومة والمواطن شريكين في بناء المنظومة الاقتصادية، وعندما يشعر المواطن بان الحكومة قامت بدورها في استحداث فرص عمل للشباب ورعاية الفقراء والشرائح الاجتماعية المهمشة، وساهمت في تحسين وضعه المعيشي والمالي، لن يتأخر في المساهمة مع الحكومة في التصدي لاي معوقات تواجه الاقتصاد العام للدولة، لكن عندما يكون مطالبا لوحده بسد أي عجز يحصل فانه سيصل الى مرحلة يحتاج فيها الاعانة وليس دفع الضريبة.
تفكر الحكومة مليا بطرق عديدة لتسديد العجز في موازنتها، ولعل التعديل على قانون الضريبة خلال الايام القادمة أهمها، الى جانب التفكير برفع اسعار المحروقات رغم استقرارها عالميا بل وانخفاضها في الاشهر السابقة، لكن ذلك سينعكس على الوضع الاقتصادي العام برمته، فالتاجر لن يقبل بانخفاض ارباحه، والمؤسسات الرسمية لن تتهاون بتحصيل ضرائبها ورسومها، وعلى المواطن الخنوع لاية اجراءات اقتصادية صعبة في ظل عجز الحكومات عن تطوير واقعه المعيشي.
عندما تصبح الامور خارج نطاق قدرة المواطن المالية، فان هناك ظواهر سلبية قد تنشأ ومنها على سبيل المثال عدد المركبات الي تسير على الطرقات دون ترخيص او تأمين، لان المواطن أضحى غير قادر على تسديد هذه المبالغ غير المنطقية المفروضة عليه، ولا يستطيع استبدال مركبته بشبكة المواصلات التي عجزت الحكومات عن توفيرها للمواطنين حتى الان، وآخرون أصبحوا غير قادرين على تسديد اقساط منازلهم للبنوك فكثرت الحجوزات والبيع بالمزاد العلني.
هذه الظواهر السلبية أو بعضها تعني أمرا واحدا، وهو عدم قدرة المواطن على استيعاب أي ضريبة أو رفع أسعار أو رسوم لانها وصلت الى أعلى حد، وهو أمر يدركه اصحاب الاختصاص من الاقتصاديين جيدا.