الملك وأذرعه الحكومية والامنية.. خلافات في الرأي أم تفاهم ضمني؟
د. حسن البراري
جو 24 : انتقد الزميل فهد الخيطان في مقالة له نشرت في صحيفة الغد فكرة تأجيل الانتخابات النيابية ووصفها بأنها ضربة قاصمة لمصداقية الدولة. أتفق تماما مع ما ورد في مقال الزميل لأن فكرة تأجيل الانتخابات النيابية (التي تعهد الملك عبدالله الثاني بمناسبات كثيرة بأنها ستجري مع نهاية هذا العام) هي فكرة كارثية بالمعنى السياسي وتطرح سؤالا حول من يتحكم بالقرار السياسي وحول جدية التعهدات الملكية التي تصدر من اعلى مستوى في الأردن!
ما من شك أن الاردن يمر بأزمة معقدة نتيجة لسيطرة حالة من الاستعصاء السياسي، فلم تعد البلد قادرة على تحمل مزيد من تأجيل الاصلاح لأن من شأن التأجيل أن يعزز قناعة لدى الكثير من المراقبين بأن الدولة غير جادة وهي توظف شتى أنواع الذارئع لتشتيت الانتباه عن غياب الارادة السياسية في الاصلاح ومحاسبة الفاسدين.
فعندما يقول الملك عبدالله بمناسبات كثيرة بأن الانتخابات ستجري مع نهاية هذا العام، فهو يقول ذلك لأنه يعرف أمرين واضحين: أولا، ثقة الشارع الاردني بمجلس النواب هي في هامش الخطأ، ورأينا كيف تجاوز الشارع البرلمان الذي لم يعد يمثل إلا اعضاءه. والأمر الآخر هو أن الطريقة المثلى للخروج من حالة الاحتقان السياسي (التي زادت وتيرتها مع لجوء الحكومة لتجربة الأمن الخشن الفاشلة) تستلزم اجراء انتخابات نيابية مبكرة قبل نهاية العام الجاري
والتعهدات الملكية لم تأت من فراغ بل لأن الملك كان يعرف بأن هناك متسعا من الوقت للتحضير لانتخابات شفافة ونزيه تعيد ثقة المواطن الاردني بمؤسسات الدولة الاردنية، فالتصريح الأول الذي قال فيه الملك بأن الانتخابات ستجري قبل نهاية عام ٢٠١٢ كانت في النصف الثاني من العام الماضي ما يعني أن الوقت المتاح أمام اجهزة الدولة والحكومة للتحضير لانتخابات برلمانية كافيا. إذن لماذا تكسر الحكومة الرغبة الملكية في اجراء انتخابات بحجة الوقت وعدم التوافق على قانون الانتخابات؟!
القوى التي ليس لها مصلحة في اجراء الانتخابات معروفة لنا كمراقبين وهنا نشير إلى البرلمان المطعون بشرعية الكثير من اعضائه وحكومة الخصاونة التي أصبحت كالبطة العرجاء في الأسابيع الأخيرة بحيث اصبح استمرارها احد عوامل التأزيم. رئيس الوزراء عون الخصاونة عمل ما في وسعه لتعطيل اجراءات الانتخابات من خلال العمل بسرعة السلحفاء لانضاج حزمة التشريعات التي تضمنها كتاب التكليف الملكي، وقد راودته فكرة تعديل المادة ٧٤ حتى يتمكن من حل البرلمان وتشكيل حكومة ، غير أن محاولته الخجولة قمعت منذا البداية لأن الشارع كشفها وكشف ولعه بالسلطة وتمكن من وأدها في مهدها .
في البلاد الديمقراطية عندما يعلن رئيس الدولة أو أعلى سلطة سياسية في البلاد قرارا او موقفا يكون هذا الاعلان مستندا على معلومات وقراءات ودراسات وهو ما يسمى (informed decision)، وعادة ما تنضبط مؤسسات الدولة لانجاز المهمة، وفي حالة عدم القدرة على انجاز التعهد يكون السبب خارج عن الارادة كنشوب حرب أو حدوث انتكاسة اقتصادية او كارثة طبيعية لكن لا تكون هناك نية مبيته للمراوغة حتى في ظل وجود خلافات بين اجهزة ومؤسسات الدولة وهو ما دفع البرفسور غراهام اليسون الى ابتداع مفهوم السياسة البيرقراطية (bureaucratic politics) في اطار تحليله لآلية صناعة القرار والطريقة التي ادارت بها ادارة كيندي ازمة صواريخ كوبا في عام ١٩٦٢. فالرئيس عندما اتخذ قرار فرض حصار بحري على كوبا كان أمامه ثلاثة خيارات اخرى لها صبغة أو سند بيرقراطي، لكن القرار اتخذ بناء على معرفة وهو ما نفتقده بالحالة الاردنية. طبعا لا نطلب أن تكون صناعة القرار كما هو في الولايات المتحدة أو بريطانيا، لكن نريد أن تنضج المؤسسات الاردنية بحيث يكون التنافس بين مراكز القوى عامل قوة وسببا في أن يكون قرار رأس الدولة مستندا على معرفة كاملة حتى نتبعد عن التصريحات الاعتباطية التي نكتشف بعد فترة قصيرة بأننا لا يمكن لنا أن نترجمها إلى واقع ما يعمق من فجوة الثقة وننتهي بحالة ليس فيها رابح، وربما فشل العديد من المبادرات الداخلية يعود لهذا السبب .
نحن في حيرة من أمرنا، فالملك قال بأنه مع الاصلاح وأن الاجهزة ومؤسسات الدولة بطيئة، والرجال المحسوبون على النظام يحذرون من مغبة الاصلاح بحجة فزاعة الاسلاميين، الملك يقول أنه لا حصانة لفاسد وهناك من رجالات الدولة من يقول أن محاربة الفساد مستحيلة، الملك يعطي لجنة الحوار الوطني ضمانة بأخذ مخرجاتهم محمل الجد ورئيس الحكومة قال لاعضاء اللجنة بأنه ليس لهم أي صفة تمثيلية، الملك يقول أكثر من مناسبة أن الانتخابات ستجري مع نهاية العام، ورئيس حكومته يرفض الالتزام بهذا الموعد!!! أهناك مشهد سيريالي أكثر وضوحا من هذا؟! أرجو أن لا يكون الأمر في باب تقاسم الادوار وهنا نقول كفى عبثا لأن المواطن أكثر ذكاء مما يعتقده صناّع القرار ولم تعد فكرة الضحك على كل الناس كل الوقت ذات صلة في الحالة الأردنية .
ما من شك أن الاردن يمر بأزمة معقدة نتيجة لسيطرة حالة من الاستعصاء السياسي، فلم تعد البلد قادرة على تحمل مزيد من تأجيل الاصلاح لأن من شأن التأجيل أن يعزز قناعة لدى الكثير من المراقبين بأن الدولة غير جادة وهي توظف شتى أنواع الذارئع لتشتيت الانتباه عن غياب الارادة السياسية في الاصلاح ومحاسبة الفاسدين.
فعندما يقول الملك عبدالله بمناسبات كثيرة بأن الانتخابات ستجري مع نهاية هذا العام، فهو يقول ذلك لأنه يعرف أمرين واضحين: أولا، ثقة الشارع الاردني بمجلس النواب هي في هامش الخطأ، ورأينا كيف تجاوز الشارع البرلمان الذي لم يعد يمثل إلا اعضاءه. والأمر الآخر هو أن الطريقة المثلى للخروج من حالة الاحتقان السياسي (التي زادت وتيرتها مع لجوء الحكومة لتجربة الأمن الخشن الفاشلة) تستلزم اجراء انتخابات نيابية مبكرة قبل نهاية العام الجاري
والتعهدات الملكية لم تأت من فراغ بل لأن الملك كان يعرف بأن هناك متسعا من الوقت للتحضير لانتخابات شفافة ونزيه تعيد ثقة المواطن الاردني بمؤسسات الدولة الاردنية، فالتصريح الأول الذي قال فيه الملك بأن الانتخابات ستجري قبل نهاية عام ٢٠١٢ كانت في النصف الثاني من العام الماضي ما يعني أن الوقت المتاح أمام اجهزة الدولة والحكومة للتحضير لانتخابات برلمانية كافيا. إذن لماذا تكسر الحكومة الرغبة الملكية في اجراء انتخابات بحجة الوقت وعدم التوافق على قانون الانتخابات؟!
القوى التي ليس لها مصلحة في اجراء الانتخابات معروفة لنا كمراقبين وهنا نشير إلى البرلمان المطعون بشرعية الكثير من اعضائه وحكومة الخصاونة التي أصبحت كالبطة العرجاء في الأسابيع الأخيرة بحيث اصبح استمرارها احد عوامل التأزيم. رئيس الوزراء عون الخصاونة عمل ما في وسعه لتعطيل اجراءات الانتخابات من خلال العمل بسرعة السلحفاء لانضاج حزمة التشريعات التي تضمنها كتاب التكليف الملكي، وقد راودته فكرة تعديل المادة ٧٤ حتى يتمكن من حل البرلمان وتشكيل حكومة ، غير أن محاولته الخجولة قمعت منذا البداية لأن الشارع كشفها وكشف ولعه بالسلطة وتمكن من وأدها في مهدها .
في البلاد الديمقراطية عندما يعلن رئيس الدولة أو أعلى سلطة سياسية في البلاد قرارا او موقفا يكون هذا الاعلان مستندا على معلومات وقراءات ودراسات وهو ما يسمى (informed decision)، وعادة ما تنضبط مؤسسات الدولة لانجاز المهمة، وفي حالة عدم القدرة على انجاز التعهد يكون السبب خارج عن الارادة كنشوب حرب أو حدوث انتكاسة اقتصادية او كارثة طبيعية لكن لا تكون هناك نية مبيته للمراوغة حتى في ظل وجود خلافات بين اجهزة ومؤسسات الدولة وهو ما دفع البرفسور غراهام اليسون الى ابتداع مفهوم السياسة البيرقراطية (bureaucratic politics) في اطار تحليله لآلية صناعة القرار والطريقة التي ادارت بها ادارة كيندي ازمة صواريخ كوبا في عام ١٩٦٢. فالرئيس عندما اتخذ قرار فرض حصار بحري على كوبا كان أمامه ثلاثة خيارات اخرى لها صبغة أو سند بيرقراطي، لكن القرار اتخذ بناء على معرفة وهو ما نفتقده بالحالة الاردنية. طبعا لا نطلب أن تكون صناعة القرار كما هو في الولايات المتحدة أو بريطانيا، لكن نريد أن تنضج المؤسسات الاردنية بحيث يكون التنافس بين مراكز القوى عامل قوة وسببا في أن يكون قرار رأس الدولة مستندا على معرفة كاملة حتى نتبعد عن التصريحات الاعتباطية التي نكتشف بعد فترة قصيرة بأننا لا يمكن لنا أن نترجمها إلى واقع ما يعمق من فجوة الثقة وننتهي بحالة ليس فيها رابح، وربما فشل العديد من المبادرات الداخلية يعود لهذا السبب .
نحن في حيرة من أمرنا، فالملك قال بأنه مع الاصلاح وأن الاجهزة ومؤسسات الدولة بطيئة، والرجال المحسوبون على النظام يحذرون من مغبة الاصلاح بحجة فزاعة الاسلاميين، الملك يقول أنه لا حصانة لفاسد وهناك من رجالات الدولة من يقول أن محاربة الفساد مستحيلة، الملك يعطي لجنة الحوار الوطني ضمانة بأخذ مخرجاتهم محمل الجد ورئيس الحكومة قال لاعضاء اللجنة بأنه ليس لهم أي صفة تمثيلية، الملك يقول أكثر من مناسبة أن الانتخابات ستجري مع نهاية العام، ورئيس حكومته يرفض الالتزام بهذا الموعد!!! أهناك مشهد سيريالي أكثر وضوحا من هذا؟! أرجو أن لا يكون الأمر في باب تقاسم الادوار وهنا نقول كفى عبثا لأن المواطن أكثر ذكاء مما يعتقده صناّع القرار ولم تعد فكرة الضحك على كل الناس كل الوقت ذات صلة في الحالة الأردنية .