قانون المساءلة الطبية ضرورة
الحديث عن اقرار قانون للمساءلة الطبية مر عليه أكثر من عقد، حتى وصل حاليا الى مجلس الأمة الذي شرع بمناقشته داخل لجانه الصحية المختصة، على أن مشروع القانون لا يزال يجد معارضة صلبة من مختلف القطاعات الصحية فمنهم من يطالب بعدم اقراره وعدم الحاجة لمثل هذا القانون ومنهم من يطالب بالتريث في اقراره لتضمينه بنودا تكفل حقوق الطبيب والمريض معا.
الحقيقة الواضحة، بان المجتمع يحتاج حاليا لمثل هذا القانون فمهنة الطب في مختلف دول العالم لا تعتمد فقط على مواثيق الشرف الخاصة بهذا القطاع المهم المرتبط بحياة الانسان، وانما بتشريعات تضمن اداء الطبيب لعمله بشكل دقيق وعدم التساهل مع اي حالة طبية يمكن ان يواجهها في عمله، وفي نفس الوقت تحمي الطبيب بالتفريق بين ما يسمى الاثار الجانبية المتوقعة لاي علاج أو أي جراحة يمكن ان يجريها للمريض وبين الخطأ الواضح.
وان كنت اتفهم مطالب القطاع الصحي بمناقشة مشروع القانون بشكل موسع لضمان حماية طرفي المعادلة (الطبيب والمريض) الا انني لا افهم نهائيا دعوات البعض لعدم اقراره بدعوى ان البنية التحتية للقطاع الطبي في الاردن تعاني من تشوهات يصعب معها اقرار قانون للمساءلة الطبية، فاي مجال لا يمكن ان ينتظم خاصة في عالمنا العربي دون وجود تشريعات تعاقب من يخطيء أو من يسيء.
أنا أقف على النقيض تماما ممن يطالبون بصرف النظر عن التشريع بمجمله، وأجد ان اقرار مثل هذا التشريع هو الكفيل بمعالجة اي خلل في البنية التحتية للقطاع الطبي، وهو يجبر المؤسسات الطبية ومنها مستشفيات خاصة مستقبلا على تأمين كل المتطلبات التي من شأنها ضمان عدم الوقوع في اي خطأ، ومنها على سبيل المثال زيادة عدد الاطباء والممرضين وتأمين الاجهزة الطبية اللازمة والحديثة للكشف عن الامراض ومعالجتها، وتعيين الطبيب الاكفأ وتفعيل لجان لمراقبة على آداء الأطباء داخل المؤسسات الطبية ذاتها.
مثل هذا القانون كفيل بابقاء الاكفأ سواء طبيب أو ممرض أو مؤسسة طبية، في القطاع، ويقصي كل ما لا يجد في نفسه الكفاءة للاستمرار بالعمل في المجال الطبي، كون القانون لن يتسامح مع الأخطاء الواضحة، في الوقت الذي يساهم مثل هذا القانون بالتمييز بين المؤسسات الطبية المختلفة من حيث نسب الاخطاء التي يمكن ان تحدث، وبالتالي يحقق السمعة الجيدة لمن «يعمل ولا يخطيء»، لان حياة الانسان لا تتحمل الخطأ.
من تجربة شخصية للطب والأطباء في أكثر من دولة عربية غنية أو أجنبية، يكاد يكون القطاع الطبي الاردني متفوق على أغلبها، ورغم غنى هذه الدول بالموارد الا انها لم تستطع بناء سمعة لاطبائها كما فعل الاطباء الاردنيون انفسهم، فالحقيقة لدينا علماء في هذا المجال وفي مختلف التخصصات، ولضمان استمرار هؤلاء العلماء بتميزهم، يجب ان يكون هناك تشريع لفرز هؤلاء العلماء واعطاءهم حقهم بدلا من خلطهم بنظرة عامة احيانا مع خطأ يرتكب من طبيب هنا أو هناك.
ويضاف الى الدور الذي يمكن ان يلعبه هذا التشريع بتحسين الواقع الطبي الاردني، فانه سيساهم أيضا في زيادة الثقة لدى الدول التي ترسل مرضاها للعلاج في الاردن، ويساعدها على اختيار المؤسسة والطبيب الافضل، ويحول دون تصدي طبيب لمهمة لا يستطيع تنفيذها وتركها للطبيب الأكفأ القادر على التعامل مع مثل هذه الحالات دون اللجوء للتخمين في التشخيص.