راتب تقاعد للبيع!!
النائب خلود الخطاطبة
جو 24 :
قضى عمره وهو يكافح في الحياة على مدى 30 أو 40 عاما في وظيفته، ليستحق راتبا تقاعديا من الضمان الاجتماعي ليعينه على نوائب الدهر والشيخوخة معا، لكنه يضطر الى بيع هذا الراتب لمدة محددة او طوال فترة استحقاقه للراتب، مقابل مبلغ مالي أقل بكثير من القيمة الاجمالية لرواتبه، لكن الميزة بان المبلغ يدفع له دفعة واحدة.
أخر ما تفتقت عنه ذهنية المواطن الاردني الفقير هو بيع تقاعده، ليواجه التحديات المعيشية له ولاسرته، بعد ان استنفذ كافة الطرق والقنوات التي يمكنه من خلالها الاستدانة لسداد ايجار منزل او لتأمين قسط لطالب جامعي، او حتى ليأكل هو وأسرته، وكل هذا تؤكد الحكومات المتتالية بان الاجراءات الاقتصادية لن تمس الطبقتين الوسطى والفقيرة.
الاجراءات الحكومية على مدى سنوات برامج التصحيح الاقتصادي مست بشكل اساسي الطبقتين الوسطى والفقيرة، وعلى الاخص ضريبة المبيعات التي يتم تحصيلها عن كل شيء من المستهلك النهائي وهو المواطن، وبالتالي فان التاجر لم يمس، وأسعار المحروقات التي ترفع شهريا أو تثبت ولكن لا تخفض، لا تمس الا الفقراء والموظفين، فالتاجر وصاحب المصنع لن يتورع برفع سعر اي سلعة لتعويض فارق اي رفع في اسعار المحروقات من جيوب المواطنين.
رفع ضريبة الدخل على أصحاب العقارات وشركات الاسكان والمصانع والبنوك، لن يؤثر ايضا الا بالطبقتين الفقيرة والمتوسطة كون الشركات سترفع سعر العقار لتعويض الفارق، ومؤجر المنزل سيرفع سعر الايجار على المواطن الذي يتحمل بالنهاية كلفة الرفع، والبنوك ستضغط لرفع نسبة الفائدة على تعاملاتها الشخصية والتجارية، كما يحدث حاليا.
الا تدرك الحكومات بان المظاهر في تغير البنية الاجتماعية الأردنية سببها بشكل رئيس انهيار الطبقة الوسطى، الا تعلم بان 25 الف طالب نقلتهم أسرهم (من فلول الطبقة الوسطى) من مدارس خاصة العام الحالي الى المدارس الحكومية التي بدأت تعاني جراء هذا الضغط الهائل، الا تدرك أيضا بان حجوزات البنوك على منازل وبيعها بالمزاد العلني تعود لفلول الطبقة الوسطى، والا تعلم بان من أضحوا يبيعون رواتبهم التقاعدية هم من فلول الطبقة الوسطى.
عندما يصبح الاردني غير قادر على دفع قسط جامعي لابنه، وغير قادر على تسديد ايجار منزله، وغير قادر على ملاحقة فواتير الكهرباء والمحروقات، فانه بالضرورة سيفكر بابتكار طرق يستطيع من خلالها تأمين حاجته، وعندما لم يتبق له سوى راتبه التقاعدي فانه سيبيعه بلا ادنى تفكير لاي شخص يمكن ان يساعده بالخروج من المأزق، فأين حماية الطبقة الوسطى؟.
الحكومة مدعوة الى التفكير مليا قبل اقرار اي اجراءات في طريقها الى «التصحيح» الاقتصادي، وان تضمن ان اجراءاتها لن تقترب نهائيا من المواطن المتهالك، وان تعمل على ضبط السوق تماما في مواجهة اية تحركات للقطاع الخاص لتحصيل الضرائب الجديدة من جيوب المواطنين، وان تتفادى كارثة اجتماعية في حال استمرار مواطنين ببيع أخر ما يملكونه «رواتبهم التقاعدية» لانه لن يتبقى لهم اي شيء مستقبلا ليبيعوه أو يأكلوا منه، ولن يتمكنوا من اللجوء الى صندوق المعونة الوطنية لانه حسب الوثائق يملكون رواتب تقاعدية لكنها «مباعة» أو «برسم البيع».