تناقضات الملقي وأولويّاته.. مدينة حكومية على حساب الخبز
جو 24 :
كتب تامر خرمه-
في لقاء جمعه بصحافيّين في دار الرئاسة، وقع رئيس الوزراء د. هاني الملقي في جملة من التناقضات، التي تعكس التخبّط الإداري والإفلاس الرسمي في اجتراح أيّة حلول حقيقيّة للأزمة الاقتصاديّة.
الرجل "شدّد" على أن البرنامج الاقتصادي هو برنامج وطنيّ لم تفرضه على الحكومة أيّة جهة، بيد أنّه قال في ذات الوقت إن صندوق النقد الدولي "لا يرغب" في رفع سعر الخبز، ليعبّر عن حقيقة القرار الرسمي الذي يدور كالعادة في فلك المؤسّسات الماليّة الدوليّة.
تناقض آخر وقع فيه الرئيس عندما قال إنّه "لم تعد دولة في العالم تدعم الخبز، ونحن لانزال ندرس الموضوع". الرئيس لا يرغب بقول ما يدور في خلده بشكل واضح ومباشر، بل يلجأ كما عوّدنا إلى استخدام بالون اختبار عند كلّ محطّة، فتارة يقول إن المؤسّسات الدوليّة لم تفرض البرنامج الاقتصادي وأنّها "لا ترغب" في رفع سعر الخبز، وتارة يلمح إلى أن حكومته العتيدة "تدرس الموضوع".
هل أفلست الحكومة إلى هذه الدرجة؟ ألم يعد في جعبتها أيّة حلول تخرج البلاد من عنق الزجاجة سوى خبز الناس؟! عندما انتزعت حكومة الملقي الشرعيّة النيابيّة لتمرير قانون الموازنة العامّة كانت تتحدّث عن توقّعات بتحقيق نموّ اقتصاديّ بنسبة 3.3%، فهل حرمان الناس من الخبز هو ترجمة هذا النموّ؟!
الضرائب ارتفعت بنسبة 20% عن العام الماضي، قبل أن تقوم الحكومة بحصد مبلغ 567 من جيوب الغلابى، الذين يدفعون من رواتبهم المحدودة 70.8% من مجمل الإيرادات المحليّة، واليوم تريد تجريدهم من لقمة الخبز؟!
يتجلّى التخبّط الرسمي في الفشل بضبط النفقات أو ترشيد الاستهلاك أو حتّى الاقتراب من أموال الشركات التي استولت على كلّ مقدّرات الوطن، وهكذا تكون الطبقات المسحوقة هي دائماً "الحلّ" بالنسبة لصنّاع القرار.
إجمالي النفقات العامّة ازدادت عن العام الماضي بقيمة 621 مليون دينار، والرئيس يتحسّر على قيمة الدعم الحكومي لمادّة الخبز، والتي قال إنّها بلغت 140 مليون دينار. أضف إلى هذا أن دعم المواد التموينيّة انخفض هذا العام بنسبة 6.5%، فيما انخفضت مخصّصات المعالجات الطبيّة بنسبة 35.5%
وبالحديث عن الإنفاق من المفيد التذكير بأن نسبة النفقات الرأسمالية لا تتجاوز الـ 24% من النفقات العامة، 60% منها رصدت لتشييد المباني والإنشاءات. وفوق هذا يريد الملقي "إنشاء مدينة حكومة جديدة منفصلة عن العاصمة عمان، حيث تم الانتهاء من المخطط الشمولي المبدئي لمدينة عمان الجديدة"، وفقاً لتصريحاته.
ما الحاجة إلى بناء مدينة جديدة وأنت تنظر إلى خبز الناس وتلوّح برفع الدعم عنه؟ أهذا ما يعرفه الدوّار الرابع عن ترتيب الأولويّات؟! نفقات جارية رصدت معظمها لتشييد المباني والمكاتب الفارهة. الإنفاق الرأسمالي لا يكاد يذكر، والحلّ برأي الحكومة هو رفع الدعم.
الأولى ترشيد هذا الإنفاق غير المبرّر، وتحميل الأثرياء مسؤوليّتهم الوطنيّة عبر سنّ قانون الضريبة التصاعديّة، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعيّة، عوضاً عن الاستمرار بالتفتيش في جيوب الفقراء.
الرئيس قال أن حكومته "لن ترحّل المشاكل"، مضيفاً بأن هذا سيكون "خطأ كبيراً"، بيد أن ما ورد في تصريحاته يؤكّد أن هذه الحكومة لا تختلف عمّا سلفها في إتقان الرقص على حبال ترحيل الأزمات، واستيراد وصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، واستهداف الطبقات الشعبيّة وحدها.
أمّا ما ورد في حديثه حول تعزيز الرقابة والمساءلة، وعدم إمكانيّة السماح بالتجاوز على المال العام، فيا ليته يزوّدنا بأمثلة ملموسة على أرض الواقع فيما تعلّق بمحاربة الفساد، عوضاً عن استعراض الديباجات الإنشائيّة، والإصرار على مقولة أن "قرارات الحكومة ليست ارتجاليّة" دون تقديم أيّة حلول تثبت هذا "الاعتزاز" بالقرارات المنحازة ضدّ الناس.