اعتدال أردني في عالم مضطرب
يبرز الاعتدال في السياسة الخارجية الأردنية من خلال التصريحات التي ادلى بها جلالة الملك عبدالله خلال استقباله زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر في عمان، فجلالته يؤكد في كل مرة حرص الاردن على وحدة واستقلال العراق الشقيق وتحقيق المصالحة الوطنية العراقية والوفاق بين فصائله السياسية.
جلالته حذر في سنوات سابقة من خلافات سياسية أدت بالفعل الى الوصول الى نزاعات مسلحة في المنطقة لا زالت الشعوب تدفع ثمن ويلاتها ديمغرافيا وسياسيا واقتصاديا، فجلالته يؤكد هذه المرة أيضا على ان المنطقة لا تحتمل اي نزاع جديد كون المستفيد الأول من هذه النزاعات التنظيمات الارهابية التي تنتظر حدوث قلاقل في اي بقعة من المنطقة لتتغلغل اليها وتعيث فسادا في الأرض.
المنطقة منهكة حاليا، من مختلف النواحي، فاللجوء وصل الى حدود تاريخية لا يمكن ان يتصورها عقل، وضرب بقوة اقتصادات دول على رأسها الاردن الذي يستقبل نحو 3 ملايين لاجيء، يضغطون على بناه التحتية في التعليم والصحة ومختلف قطاعات الدولة، وهو غير قادر حاليا على استيعاب لاجئين جراء اي نزاع يحدث في المنطقة.
المنطقة منهكة، وسط ظروف سياسية جعلت من الصعب تحمل اي صراع أخر، فالجرح الفلسطيني ما زال نازفا وسط تعنت حكومة الاحتلال الاسرائيلي ورئيسها بنيامين نتنياهو تجاه محادثات السلام المتوقفة منذ سنوات، والنزاع المسلح في سوريا ما زال مستعرا، وعصابات داعش لا زالت تنفث سمومها في سوريا والعراق الذي لم يستقر سياسا حتى الان بسبب النزاع بين فصائله المختلفة.
وبلدان عربية اخرى ليست بافضل حال من غيرها، فاليمن يئن أيضا تحت وطأة الاقتتال الأهلي، وليبيا تعاني عدم الاستقرار السياسي جراء الصراع بين الفصائل المسلحة، ومصر تكافح من أجل القضاء على خلايا الجماعات الارهابية في سيناء، أضف الى ذلك الازمة الخليجية التي أثرت على علاقات دول عربية ببعضها البعض، فيما يعم الاستقرار النسبي دولا عربية أخرى جراء الاحداث السياسية التي خلفها الربيع العربي.
ظروف المنطقة مجتمعة يعزز أزمتها، وصول ادارة اميركية للحكم لا تتكلم الا بمنطق القوة، وتغيب مبادراتها السياسية عن المنطقة، بعد ان انشغل رئيسها دونالد ترمب بصراعات داخلية مع تحركات شعبية محتجة على آلية وصوله الى سدة حكم العالم، وتقف ضد سياسات التمييز والتفرقة العنصرية التي نادى بها قبل وصوله الى الرئاسة، الى جانب ادارته الضعيفة لملفات بلاده الخارجية ومنها ملف السلاح النووي في كوريا الشمالية.
وسط هذا الحريق والتغير السياسي العام في شكل المنطقة برمتها، يقف الاردن كما هو، موقف المنادي باحلال السلام في مختلف مناطق العالم، والمكافح للتطرف والارهاب، والحاضن للاجئين، والداعي الى التحاور لحل الازمات، دافعا جراء ذلك اثمانا باهظة من اقتصاده الذي تأثر بجميع هذه الملفات وعلى رأسها النزاعات المسلحة في العراق وسوريا، الا ان كل ذلك لم يشفع له وترك وحيدا ليواجه جميع تلك التحديات.
الدور الاردني عربيا ودوليا، ينبع من ثوابت تؤمن بها المملكة وقيادتها، رغم ما دفع من أثمان، الا ان ظروفه الحالية تتطلب منه القيام بكل ما يلزم لتعزيز الاستقرار الامني والاقتصادي فيه دون مجاملات، وبناء منظومة علاقات قائمة على المصالح المتبادلة، والضغط على دول العالم للوقوف الى جانبه في مواجهة التحديات الاقتصادية وعلى رأسها اللجوء السوري.